التوبة




معنى التّوبة

التوبة في اللّغة: يظهر من المعاجم اللّغوية أنَّ (تاب) بمعنى رجع، والتوبة معناها الرجوع إلى الشيء، أو الطريق الصحيح بعد هجرانه، أو الانحراف عنه ولو بشيء يسير، .

والتوبة بمعنى الرّجوع مطلقًا من أيّ أحد يمكن أنْ تفهم من الآيات القرآنيّة أيضًا كما في قوله تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). المائدة:39

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً). النساء:17

فهنا تشير الآيتان إلى أنّ الله سبحانه وتعالى يتوب على العاصي.
قال ابن منظور: أصل تاب عاد إلى الله ورجع. ومعنى تاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة.

والتوبة شرعًا: هي الرجوع إلى الله تعالى بعد معصيته، وطلب رضاه وغفرانه ورحمته، وأمّا بالنسبة له تعالى، فهي إفاضة الرحمة والرضا على العبد العاصي. 


والتوبة محبوبة إلى الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البَقـَـرَة، من الآية: 222].

وهي واجبة على كل مؤمن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}[التّحـْـريم، من الآية: 8].

وهي من أسباب الفلاح: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النـُّـور، من الآية: 31]، والفلاح: أن يحصل للإنسان مطلوبه وينجو من مرهوبه.

و التوبة النصوح يغفر الله بها الذنوب مهما عظمت ومهما كثرت: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[الزُّمـَـر].




والتوبة هي وظيفة العمر، وبداية العبد ونهايته، وأول منازل العبودية، وأوسطها، وآخرها.

وإن حاجتنا إلى التوبة ماسة، بل إن ضرورتنا إليها ملحَّة؛ فنحن نذنب كثيرًا ونفرط في جنب الله ليلاً ونهارًا؛ فنحتاج إلى ما يصقل القلوب، وينقيها من رين المعاصي والذنوب، ثم إن كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون؛ فالعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.

وليست التوبة في الإسلام مسلكاً وعراً لا يصل إليها مبتغيها إلا بعد تعب ومشقة أو اعتراف أمام أحد غير الله تعالى بل إنها سهلة وميسرة فبابها مفتوح في كل لحظة يطرقه من يشاء ليستغفر ويتطهر لا يطرده من رحمة الله طارد ولا يقوم بينه وبين ربه وسيط مهما أسرف على نفسه قال الله تعالى: {قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} الزمر: 53.

فمن أرد الرجوع إلى الطريق المستقيم فما عليه إلا أن يبادر بالتوبة ويقلع عن الذنوب من قبل أن يأتي يوم يحال فيه بينه وبينها فيتحسر على ما فرط ويضيق ذرعاً بما وصل إليه من واقع مرير ويندم ولات ساعة مندم، فليشمر المسلم عن ساعد الجد ويتب إلى الله سبحانه بلسانه ويعزم بقلبه محققاً مدلول التوبة بالإيمان والعمل الصالح عل الله أن يقيل عثرته ويقبل أوبته ويغفر ذنبه فيأخذ طريقه على هدى من الإيمان والعمل الصالح وينظمه الله في سلك عباده المهتدين مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى} طه:82.





شروط التوبة

ويشترط لها خمسة شروط:

الشرط الأول: الإخلاص:

والإخلاص شرط في كل عبادة، والتوبة من العبادات، قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(البينة: الآية5) فمن تاب مراءاة للناس، أو تاب خوفاً من سلطان لا تعظيماً لله عزّ وجل فإن توبته غير مقبولة.


الشرط الثاني: الندم على ما حصل:

وهو انكسار الإنسان وخجله أمام الله عزّ وجل أن فعل ما نهي عنه، أو ترك ما أوجب عليه.

فإن قال قائل: الندم انفعال في النفس، فكيف يسيطر الإنسان عليه؟

فالجواب: أنه يسيطر عليه إذا أشعر نفسه بأنه في خجل من الله عزّ وجل وحياء من الله ويقول: ليتني لم أفعل وما أشبه ذلك.

وقال بعض أهل العلم: إن الندم ليس بشرط:

أولاً: لصعوبة معرفته.

والثاني: لأن الرجل إذا أقلع فإنه لم يقلع إلا وهو نادم، وإلا لاستمر.

لكن أكثر أهل العلم -رحمهم الله - على أنه لابد أن يكون في قلبه ندم.


الشرط الثالث: الإقلاع عن المعصية التي تاب منها:

فإن كانت المعصية ترك واجب يمكن تداركه وجب عليه أن يقوم بالواجب،كما لو أذنب الإنسان بمنع الزكاة، فإنه لابد أن يؤدي الزكاة، أو كان فعل محرماً مثل أن يسرق لشخص مالاً ثم يتوب،فلابد أن يرد المال إلى صاحبه، وإلا لم تصح توبته

فإن قال قائل: هذا رجل سرق مالاً من شخص وتاب إلى الله، لكن ا لمشكل كيف يؤدي هذا المال إلى صاحبه؟ يخشى إذا أدى المال إلى صاحبه أن يقع في مشاكل فيدّعي مثلاً صاحب المال أن المال أكثر، أو يتَّهَم هذا الرجل ويشيع أمره، أو ما أشبه ذلك، فماذا يصنع؟

نقول: لابد أن يوصل المال إلى صاحبه بأي طريق، وبإمكانه أن يرسل المال مع شخص لا يتهم بالسرقة ويعطيه صاحبه، ويقول: يا فلان هذا من شخص أخذه منك أولاً والآن أوصله إليك، ويكون هذا الشخص محترماً أميناً بمعنى أنه لا يمكن لصاحب المال أن يقول: إما أن تعين لي من أعطاك إياه وإلا فأنت السارق، أما إذا كان يمكن فإنه مشكل.

مثال ذلك: أن يعطيه القاضي، أو يعطيه الأمير يقول: هذا مال لفلان أخذته منه، وأنا الآن تائب، فأدّه إليه. وفي هذه الحال يجب على من أعطاه إياه أن يؤدّيه إنقاذاً للآخذ وردّاً لصاحب المال.

فإذا قال قائل: إن الذي أخذت منه المال قد مات، فماذا أصنع؟

فالجواب: يعطيه الورثة، فإن لم يكن له ورثة أعطاه بيت المال.

فإذا قال :أنا لا أعرف الورثة، ولا أعرف عنوانهم؟

فالجواب: يتصدّق به عمن هو له، والله عزّ وجل يعلم هذا ويوصله إلى صاحبه. فهذه مراتب التوبة بالنسبة لمن أخذ مال شخص معصوم.

تأتي مسألة الغيبة: فالغيبة كيف يتخلص منها إذا تاب:

من العلماء من قال: لابد أن يذهب إلى الشخص ويقول: إني اغتبتك فحللني، وفي هذا مشكلة.

ومنهم من فصّل وقال: إن علم بالغيبة ذهب إليه واستحله، وإن لم يعلم فلا حاجة أن يقول له شيئاً لأن هذا يفتح باب شرّ.

ومنهم من قال: لا يُعلِمْه مطلقاً،كما جاء في الحديث: "كَفَّارَةُ مَنِ اغْتَبْتَهُ أَنْ تَستَغْفِرَ لَهُ" ذكره الزبيدي والسيوطي والألباني في الضعيف فيستغفر له ويكفي.

ولكن القول الوسط هو الوسط، وهو أن نقول: إن كان صاحبه قد علم بأنه اغتابه فلابد أن يتحلل منه، لأنه حتى لو تاب سيبقى في قلب صاحبه شيء، وإن لم يعلم كفاه أن يستغفر له.


الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود:

فلابد من هذا، فإن تاب من هذا الذنب لكن من نيته أن يعود إليه متى سنحت له الفرصة فليس بتائب، ولكن لو عزم أن لايعود ثم سوّلت له نفسه فعاد فالتوبة الأولى لا تنتقض، لكن يجب أن يجدد توبة للفعل الثاني.

ولهذا يجب أن نعرف الفرق بين أن نقول: من الشرط أن لايعود، وأن نقول:من الشرط العزم على أن لا يعود.


الشرط الخامس: أن تكون التوبة وقت قبول التوبة:

فإن كانت في وقت لا تقبل فيه لم تنفعه، وذلك نوعان: نوع خاص، ونوع عام.

النوع الخاص: إذا حضر الإنسان أجله فإن التوبة لا تنفع،لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)(النساء: الآية18) ولما غرق فرعون قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين فقيل له: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:91)

أي الآن تسلم، ومع ذلك لم ينفعه.

وأما العام: فهو طلوع الشمس من مغربها، فإن الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، فإذا طلعت من المغرب آمن الناس كلهم، ولكن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لاً تَنْقَطِعُ الهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوبَةُ، وَلا تَنْقَطعُ التَّوبَةُ حَتَّى تَخْرُجَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" أخرجه أبو داود وأحمد

فهذه هي شروط التوبة، وأكثر العلماء - رحمهم الله - يقولون:شروط التوبة ثلاثة: الندم، والإقلاع، والعزم على أن لايعود. ولكن ما ذكرناه أوفى وأتمّ،



فضل التوبة إلى الله:

أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة فقال: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} التوبة:31 ووعد بالقبول عليها فقال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} الشورى:25 وفتح لعباده أبواب الرجاء في عفوه ومغفرته قال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} الزمر:53 وقال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله} آل عمران:135 وقال تعالى: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمستغفرين بالأسحار} آل عمران:17 ففي الإيمان رحمة بالعباد وفي الاستغفار بركات الدين والدنيا وفي الحديث ما رواه ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب" وباب التوبة مفتوح على مصراعيه قال تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتياً} مريم:60-61.



وقت التوبة ونهاية وقتها:

التوبة مقام يستصحبه العبد من أول ما يدخل فيه إلى آخر عمره قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} النور: 31 فالتوبة واجبة وجوبا مطلقا مدى العمر ووقتها مدة العمر قال الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} التوبة:117 وقال تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً} النصر وفي الحديث عن الحسن رضي الله عنه قال: إن إبليس لما هبط إلى الأرض قال: بعزتك لا أفارق ابن آدم مادام الروح في جسده قال الله تعالى: فبعزتي لا أحجب التوبة عن ابن آدم ما لم تغرغر نفسه ويبدأ وقتها عندما يستشعر القلب جلالة ربه وعظمة خالقه ويسلك صراطه المستقيم قال تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} الأنعام:153 وفي الحديث عن صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من قبل مغرب الشمس بابا مفتوحا عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً" سنن ابن ماجه وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عزوجل ليقبل توبة للعبد ما لم يغرغر" (ابن ماجه) وقال ابن هبيرة: "النفس المؤمنة إن لم تكسب في إيمانها خيراً حتى طلعت الشمس من مغربها لم ينفعها ما تكسبه".

والحذر الحذر من فعل السيئات قبل أن يقول المذنب: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} الآية.

وقد أمر الله عز وجل عباده بطلب الجنة، وهذا أمر لا بد أن نتنبه لأهميته، قال تعالى: وَسَارِعُوا وليس فقط أن تطلب الجنة وتريدها، أو أن تدعو إليها فقط، وإنما تسارع: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وكما في الآية الأخرى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد:21].
فلا بد أن تستشعر بأنك في سباق، ولا بد أن تبذل كل ما عندك لكي تصل إلى الجنة، وليس فقط أن تطلبها بضعف، أو أن تطلبها وكأن الأمر قد برم لك، فأنت تسير سيراً متمهلاً لا يقلقك ولا يزعجك فوات وضياع هذا الذي تريد، لا، بل إنما ترجو طلب الخير وتخاف أن يفوتك، ولذا فأنت تسارع في الخير، وفي نفس الوقت تسابق غيرك.

وليست هذه المسابقة فقط بأن تنظر إلى من حولك من المطيعين، بل انظر إلى من حولك ممن سبقك، وهذه هي المنافسة عبر العصور التي يستحضرها أهل الإيمان الكمل.
فهذا موسى عليه السلام يبكي حينما رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقه، فقال: (غلام أرسلته من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي!) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث -وإن كان فيه مقال-: (للعابد في أيام الفتن أجر خمسين، قالوا: خمسون منا أو منهم؟ فقال: بل منكم).
فانظر إلى هذه المنافسة والمسابقة العجيبة! رغم أنهم لم يأتوا بعد، ومع ذلك فهم يريدون ألا يكون أحد أسبق إلى الخير منهم، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ .
وهذه المسارعة إلى المغفرة وإلى الجنة لابد أن تظهر في سلوك كل مسارع، فلا يترك خيراً يفوته أبداً، ولذا فسرها السلف رضوان الله عليهم بتفسيرات رائعة جميلة:
قال أنس رضي الله تعالى عنه كما حكى القرطبي عنه في تفسير قوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي: إلى تكبيرة الإحرام.
وقال غيره: إلى الجهاد، وقال آخر: إلى النفقة في سبيل الله، وكل منهم يذكر شيئاً ينبغي أن يسارع الإنسان فيه، ويذكرون ذلك على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، فإن كل عمل من أعمال الخير لابد أن تسارع فيه وتسابق غيرك.



والتوبة نوعان واجبة ومستحبة

فالواجبة هي التوبة من ترك مأمور أو فعل محظور وهذه واجبة على جميع المكلفين كما أمرهم الله بذلك في كتابه وعلى ألسنة رسله

والمستحبة هي التوبة من ترك المستحبات وفعل المكروهات فمن اقتصر على التوبة الأولى كان من الأبرار المقتصدين ومن تاب التوبتين كان من السابقين المقربين ومن لم يأت بالأولى كان من الظالمين إما الكافرين وإما الفاسقين قال الله تعالى وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم سورة الواقعة 7 12 وقال تعالى فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم سورة الواقعة 88 94 وقال تعالى فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله سورة فاطر 32 وقال تعالى إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا سورة الإنسان "

وقال كلا إن كتاب الفجار لفي سجين إلى قوله كلا إنكتاب الأبرار لفي عليين وما أدراك ما عليون إلى قوله ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون سورة المطففين 7 28 قال ابن عباس تمزج لأصحاب اليمين مزجا ويشرب بها المقربون صرفا

والتوبة رجوع عما تاب منه إلى ما تاب إليه فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها فأكثر الخلق يتركون كثيرا مما أمرهم الله به من أقوال القلوب وأعمالها وأقوال البدن وأعماله وقد لا يعلمون أن ذلك مما أمروا به أو يعلمون الحق ولا يتبعونه فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع وإما مغضوبا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته

وقد أمر الله عباده المؤمنين أن يدعوه في كل صلاة بقوله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ولهذا نزه الله نبيه عن هذين فقال تعالى والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى سورة النجم 1 4 فالضال الذي لا يعلم الحق بل يظن أنه على الحق وهو جاهل به كما عليه النصارى قال تعالى ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل سورة المائدة 77

والغاوي الذي يتبع هواه وشهواته مع علمه بأن ذلك خلاف الحق كماعليه اليهود قال تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين سورة الأعراف 146 وقال تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث الآية سورة الأعراف 175 176
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن فإن الغي والضلال يجمع جميع سيئات بني آدم فإن الإنسان كما قال تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا سورة الأحزاب 72 فبظلمه يكون غاويا وبجهله يكون ضالا وكثيرا ما يجمع بين الأمرين فيكون ضالا في شيء غاويا في شيء آخر إذ هو ظلوم جهول ويعاقب على كل من الذنبين بالآخر كما قال في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا سورة البقرة 10 وكما قال فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم سورة الصف
كما يثاب المؤمن على الحسنة بحسنة أخرى فإذا عمل بعلمه ورثه الله علم ما لم يعلم وإذ عمل بحسنة دعته إلى حسنة أخرى قال تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم سورة محمد 17 وقال تعالى ويزيد الله الذين اهتدوا هدى سورة مريم 76 وقال والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا سورة العنكبوت 69 وقال ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما سورة النساء 66 68 وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم سورة الحديد 28 29




التوبة من الحسنات

فأما التوبة من الحسنات فلا تجوز عند أحد من المسلمين بل من تاب من الحسنات مع علمه بأنه تاب من الحسنات فهو إما كافر وإما فاسق وإن لم يعلم أنه تاب من الحسنات فهو جاهل ضال وذلك أن الحسنات هي الإيمان والعمل الصالح فالتوبة من الإيمان هي الرجوع عنه والرجوع عنه ردة وذلك كفر والتوبة من الأعمال الصالحة رجوع عما أمر الله به وذلك فسوق أو معصية

والله تعالى حبب إلى المؤمنين الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان فكل حسنة يفعلها العبد إما واجبة وإما مستحبة والتوبة تتضمن الندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود إلى مثله في المستقبل والندم يتضمن ثلاثة أشياء اعتقاد قبح ما ندم عليه وبغضه وكراهته وألم يلحقه عليه فمن اعتقد قبح ما أمر الله به أمر إيحاب أو استحباب أو أبغض ذلك وكرهه بحيث يتألم على فعله ويتأذى بوجوده ففيه من النفاق بحسب ذلك وهو إما نفاق أكب ريخرجه من أصل الإيمان وإما نفاق أصغر يخرجه من كماله الواجب عليه قال تعالى ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم سورة محمد 28
وقال تعالى وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون سورة التوبة 124 125 وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا سورة الإسراء 82

بل إذا علم العبد أن هذا الفعل قد أمره الله به وأحبه فاعتقد هو أن ذلك ليس مما أمر الله به وأبغضه وكرهه فهو كافر بلا ريب فمثل هذه التوبة عن الحسنات هي ردة محضة عن الإيمان وكفر بالإيمان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين سورة المائدة 5

فإطلاق القول بأن الحسنات يتاب منها هو كفر يجب أن يستتاب صاحبه إذ معناه أنه يؤمر بالرجوع عن الحسنات واعتقاد أن الرجوع عن الحسنات يقرب إلى الله وهذا كفر بلا ريب ثم إن هذه التوبة متناقضة ممتنعة في نفسها فإن التائب من الحسنات إن اعتقد أن هذه التوبة حسنة فعليه أن يتوب منها فتكون باطلة فلا يكون قد تاب من الحسنات وإن اعتقد أنها سيئة كان مقرا بأن هذه التوبة محرمة فقد التزم أحد أمرين إما أنه لم يتب من الحسنات أو تاب توبة محرمة وهذا اشتبه عليه حال السابقين المقربين الذين يتوبون من ترك المستحبات أو فعل المكروهات غير المحرمات فظن أنهم تابوا مما فعلوه من الحسنات وتركوه من المحرمات فإنهم لو تابوا من ذلك لكانوا مرتدين إما عن أصل الإيمان وإما عن كماله وإنما هي كوبة عما تركوه من مستحب وفعلوه من مكروه مثل أن يكو العبد يصلي صلاة مجزئة غير كاملة فتبلغه صلاة النبي صلى الله عليه و سلم المستحبة فيصلي كصلاته ويندم على ما كان يفعله من الصلاة الناقصة فهو لا يتوب مما فعله من الحسن وإنما يتوب مما تركه من الحسن ولهذا ينسب نفسه إلى التفريط بما أضاعه من الحسنات وكذلك إذا سمع فضائل الأعمال المستحبة وما وعد الله لأصحابها من علو الدرجات فيندم على ما فرط من ذلك ويعزم على فعلها فهو توبة مما تركه من الحسنات

وكذلك لو كان يصبر على المكاره مثل الفقر والمرض وخوف العدو من غير رضى بذلك فبلغه مقام أهل الرضا وأنه أعلى من الصبر الذي لا رضا معه وأن هؤلاء يستحقون رضوان الله عليهم وأن أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء وما روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لابن عباس إن استطعت أن تعمل لله بالرضا مع اليقين فافعل وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما يكره خيرا كثيرا

فهذا يتوب من ترك الرضا لا من نفس ما أمر به من الصبر فإن الصبر يبقى مع الرضا لا بد من الصبر في الحالتين لكن تذهب مرارة الكراهة بالرضا وتلك المرارة ليست من الحسنات المأمور بها ولا هي داخلة أيضا في حد الصبر المأمور به بل الصبر قد تكون معه مرارة وقد لا تكون

ومن اعتقد أن الصبر لا يكون إلا مع مرارة وأنه ضد الرضا فقد تكلم بعرف بعض المتأخرين وليس ذاك عرف الكتاب والسنة فإن الله تعالى أمرنا بالصبر وأثنى على أصحابه في أكثر من تسعين موضعا من كتابه

والله تعالى لا يأمر بما هو مكروه أو ترك الأفضل ولا يكون ذلك إلا بفعل الحسن لا بترك الأحسن

وبهذا يعرف قول من قال حسنات الأبرار سيئات المقربين مع أن هذا اللفظ ليس محفوظا عمن قوله حجة لا عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من سلف الأمة وأئمتها وإنما هو كلام وله معنى صحيح وقد يحمل على معنى فاسد

أما معناه الصحيح فوجهان

أحدهما أن الأبرار يقتصرون على أداء الواجبات وترك المحرمات وهذا الإقتصار سيئة في طريق المقربين ومعنى كونه سيئة أن يخرج صاحبه عن مقام المقربين فيحرم درجاتهم وذلك مما يسوء من يريد أن يكون من المقربين فكل من أحب شيئا وطلبه إذا فاته محبوبه ومطلوبه ساءه ذلك فالمقربون يتوبون من الإقتصار على الواجبات لا يتوبون من نفس الحسنات التي يعمل مثلها الأبرار بل يتوبون من الإقتصار عليها وفرق بين التوبة من فعل الحسن وبين التوبة من ترك الأحسن والإقتصار على الحسن

الثاني أن العبد قد يؤمر بفعل يكون حسنا منه إما واجبا وإما مستحبا لأن ذلك مبلغ علمه وقدرته ومن يكون أعلم منه وأقدر لا يؤمر بذلك بل يؤمر بما هو أعلى منه فلو فعل هذا ما فعله الأول كان ذلك سيئة

مثال ذلك أن العامي يؤمر بمسألة العلماء المأمونين على الإسلام والرجوع إليهم بحسب قوة إدراكه وإن كان في ذلك تقليد لهم إذا لا يؤمر العبد إلا بما يقدر عليه وأما العلماء القادرون على معرفة الكتاب والسنة والإستدلال بهما فلو تركوا ذلك وأتوا بما يؤمر به العامي لكانوا مسيئين بذلك





أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا * * * وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا

أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا * * * عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ * * * صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا * * * فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي * * * فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ * * * أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا * * * وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ * * * حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي * * * وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا

أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي * * * إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا

أَنَا الْغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا * * * وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا

أَنَا الْمَهْجُورُ هَلْ لِي مِنْ شَفِيعٍ * * * يُكَلِّمُ فِي الْوِصَالِ لِي الْحَبِيبَا

أَنَا الْمَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي * * * وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا

أَنَا الْمُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا * * * وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا

فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى * * * وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا

وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ * * * يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا

وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ نَشْرِي وَحَشْرِي * * * بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا

تَفَطَّرَتْ السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ * * * وَأَصْبَحَتْ الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا

إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا * * * حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا

وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي * * * إذَا مَا أَبْدَتْ الصُّحُفُ الْعُيُوبَا

وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ * * * أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا

وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى * * * إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَتْ الْقُلُوبَا

تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا * * * عَلَى مَنْ كَانَ ظَلَّامًا مُرِيبَا

فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا * * * خُطَاهُ أَمَا أَنَى لَكَ أَنْ تَتُوبَا

أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا * * * رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا

وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ * * * جَنَابًا نَاضِرًا عَطِرًا رَحِيبَا

وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا * * * وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا

وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا * * * وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا

وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ * * * تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا

فَمَنْ يَخْبُرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا * * * مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا

وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا * * * طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا

فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ * * * إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا

وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا * * * يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا

وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ * * * يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا

وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ * * * بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا

وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا * * * وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا

تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُوعِيتَ قَبْرًا * * * وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا

وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا * * * إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا

وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا * * * وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا

تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا * * * إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا

وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا ذَا حَيَاءٍ * * * طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا

فيا مولاي جد بالعفو وارحم * * * عبيداً لم يزل يشكي الذنوبا

وسامح هفوتي وأجب دعائي * * * فإنك لم تزل أبداً مجيبا

وشفِّع فيّ خير الخلق طراً * * * نبياً لم يزل أبداً حبيبا

هو الهادي المشفّع في البرايا * * * وكان لهم رحيماً مستجيبا

عليه من المهمين كل وقتٍ * * * صلاة تملأ الأكوان طيبا

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات