الدولة الإخْشيديَّة





تُنسَب الدولة الإخْشيديَّة إلى مُؤسِّسها محمد بن طغج بن جف الإخْشيد، والإخْشيد هو لقبٌ منَحَه الخليفة العباسي الراضي لمحمد بن طغج سنة 326هـ، وكان محمد بن طغج قد كتَب إلى الراضي يسأله أنْ يُلقَّب بالإخْشيد، وقال في كتابه: "وقد كنَّى أمير المؤمنين جماعة، ولقَّبهم، فليبشرني بما سألت"، فاستفسر الراضي عن معنى الإخْشيد، فقيل له: إنَّ تفسيره عبد دعي "ملك الملوك"، فقال الراضي: لا تبخَلْ عليه بهذا، اكتُبوا له بذلك ، وفي ذلك يقول الكندي: "وورد الكتاب بالزيادة في اسم الأمير محمد بن طغج بلقب الإخْشيد، ودُعِي له بذلك على المنبر في شهر رمضان سنة سبعٍ وعشرين وثلاثمائة".

ونجح أيضًا في التصدي لأمير الأمراء ابن رائق في البر والبحر وهزمه، ومن ثَمَّ أصبح الإخشيد من أكبر القوى في العالم الإسلامي، ودافع عن الخليفة من عبث ابن رائق، فاعترف له الخليفة بولاية مصر وراثة في أبنائه، وأقره على ما استولى عليه من بلاد الشام، ودخلت الحجاز في سلطانه.

وتصدى أيضًا لأطماع سيف الدولة الحمداني في الشام، وهزمه في موقعة قنسرين، ودخل حلب، وعقد معه صلحًا، تنازل له الحمدانيون بموجبه عن شمالي سوريا.

وقد شهدت مصر في عصر الدولة الإخشيدية نشاطًا حضاريًّا مزدهرًا في ميادين الفنون والآداب والعلوم, كما اهتم الإخشيديون بانتعاش الأحوال الاقتصادية في مصر، وأولوا عنايتهم بالزراعة والصناعة والتجارة.

ظلَّت مصر منذ الفتح الإسلامي سنة 20هـ حتى سنة 254هـ مجرَّد ولاية تابعة تبعيَّة كاملة للخلافة الإسلاميَّة، ثم شهدت من (254 - 358هـ) محاولتين ناجحتين للاستقلال عن الخلافة العباسيَّة؛ قامت إحداهما في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري على يد الوالي التركي أحمد بن طولون الذي أسس الدولة الطولونيَّة (254 - 292هـ)، وبعد سُقوطها عادَتْ مصر ولايةً تابعةً للخلافة العباسيَّة، وتَعرَّضَتْ لتهديداتٍ من جانب الفاطميين في بلاد المغرب سنة 297هـ، وظلَّت الأمور مضطربةً إلى أنْ جاء الوالي التركي محمد بن طغجبن جف الإخْشيدي، وقام بالمحاولة الثانية للاستقلال عن الخلافة، فأسَّس الدولة الإخْشيديَّة (323 - 358هـ).



الحياة العلمية.. في عصر الدولة الإخشيدية

عندما حكم الإخشيديون مصر ازداد تيار العلم والأدب قوة وتدفقًا. وذلك لأن الأمراء الإخشيديين وكبار رجال دولتهم كانوا يعطفون على العلماء والأدباء ويسدون إليهم كثيرًا من الأيادي، وقد روي أن الإخشيد أعجب بعلم أحد الفقهاء فولاه على سواحل مصر.

وذكر –أيضًا- أن كافورًا أمر بعشرين ألف دينار لتفرق على فقهاء الشافعية عندما علم أن الخليفة عبد الرحمن الناصر الأندلسي أرسل عشرة آلاف دينار لتفرق على فقهاء المالكية، وأن الوزير محمد بن علي بن مقاتل كان يجري على سيبويه المصري مبلغًا من المال في كل شهر.

و تميز عهد الدولة الإخشيدية بظهور عدد كبير من أعلام الفقه من أبناء مصر حظوا برعاية طيبة من الأمراء الإخشيديين، وكان لهم نشاط علمي ملحوظ في الحياة العلمية وكان على رأس الفقهاء الشافعية في هذا العهد أبو بكر محمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد (ت 344هـ/ 955م) الذي تولى القضاء والتدريس بمصر قال عنه ابن خلكان:

"كان متصرفًا في علوم كثيرة من علوم القرآن الكريم والفقه والحديث والشعر وأيام العرب والنحو واللغة وغير ذلك، ولم يكن في زمانه مثله، وكان محببًا إلى الخاص والعام، وحضر جنازته الأمير أبو القاسم أنوجور بن الإخشيد وكافور وجماعة من أهل البلد".

وظهر من فقهاء الشافعية –أيضًا- أبو رجاء محمد بن أحمد بن الربيع الأسواني (ت 335هـ / 946م)، وعبد الله بن محمد الخصيبي (ت 348هـ / 959هـ) وعبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح (ت 365هـ / 976 م).

أما فقهاء المالكية فيأتي في مقدمتهم هارون بن محمد بن هارون الأسواني (ت 327هـ / 939م)[4]، وعلي بن عبد الله بن أبي مصر الإسكندراني (ت 330هـ / 942م) وأبي بكر أحمد بن عمرو الطحان (ت 333هـ / 944م) ومحمد بن أحمد بن أبي يوسف الخلال (ت 339هـ / 950م).

ومحمد بن يحيى بن مهدي بن هارون الأسواني (ت 340هـ / 951م) وأحمد بن محمد بن جعفر الأسواني (ت 364هـ / 975م), وغيرهم من العلماء.



أما المؤرخون في العصر الإخشيدي فكان لهم شأن عظيم منهم الحسن بن القاسم بن جعفر بن دحية أبو علي الدمشقي (ت 327هـ)[18], وأبو عمر الكندي محمد بن يوسف بن يعقوب بن حفص بن يوسف التجيبي (ت 350هـ) يقول السيوطي: إن أبا عمر الكندي صنف كتاب فضائل مصر، وكتاب قضاة مصر في زمن كافور.

كذلك المؤرخ الحسن بن إبراهيم المعروف بابن زولاق (ت 387هـ / 997م) ممن اهتموا بتدوين تاريخ مصر وخططها ومن مؤلفاته: كتاب "فضائل مصر", و"سيرة محمد بن طغج الإخشيد", و"أخبار سيبويه المصري", وغيرها من المصنفات.

وابن يونس وهو أبو سعيد عبد الرحمن بن أبي الحسن أحمد بن أبي موسى يونس بن عبد الأعلى بن موسى بن ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي المصري (ت 347هـ) صاحب تاريخ مصر، كان خبيرًا بأيام الناس وتواريخهم, جمع لمصر تاريخين أحدهما وهو الأكبر يختص بالمصريين، والآخر وهو صغير يشتمل على ذكر الغرباء الواردين على مصر.

ومن المؤرخين الذين أدركوا العصر الإخشيدي سعيد بن البطريق (ت 328هـ / 939م) فقد كان بطريركًا على الإسكندرية، كما مارس الطب فترة من الزمن بالفسطاط، وألف كتابه المشهور "التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق" تناول فيه التاريخ منذ الخليقة إلى العصر الذي عاش فيه .
زوال الدولة الأخشيدية و الفتح الفاطمي

كان أنوجور بن محمد بن طغج في الخامسة عشر من عمره عندما توفي أبوه، فتولي الوصاية عليه أبو المسك كافور سنة 334 هج.
و كان كافور ذو حكمة و تدبير و شكيمة، فاستطاع أن يصبح صاحب السلطان المطلق، و انفرد بالحكم دون الابن الصغير. و ظل الأمر كذلك حتي توفي الابن سنة 355 هج.
بعد وفاة أنوجور اصبح كافور الحاكم الرسمي لمصر ، و نال موافقة الخليفة العباسي. و لكن عهده الذي لم يدم أكثر من سنتين و عدة أشهر لم يخل من المصائب المتوالية. فقد حدث بمصر زلزال مروع و شبت حرائق كبيرة أتت علي ألفي منزل في الفسطاط.

كما حدث في عهده أن منسوب النيل قد انخفض بصورة كبيرة في عهده مما أصاب البلاد بقحط و وباء شديد، يعد الأسوء في تاريخ مصر.
و لكن كافور اشتهر أيضاً بأنه كان يقرب الشعراء و يجزل لهم العطاء، و منهم أبي الطيب المتنبي. كما نبغ في عهده كثير من الفقهاء و الأدباء و المؤرخين و الشعراء، ومن أشهرهم القاضي أبو بكر بن حداد و تلميذه محمد بن موسي المعروف بسيبويه المصري.


توفي كافور بمصر سنة 358 هج/ 968 م، و نقل إلي القدس و دفن بها.
بعد وفاة كافور سنة 358 هج/ 968 م ، اختار الجند أبا الفوارس أحمد بن علي الأخشيد و كان سنه 11 سنة، و عين الحسين بن عبيد الله بن طغيج و صياً عليه. فاستبد الحسين بالأمر و قبض علي الوزير جعفر بن الفرات، و اساء معاملة الأهالي حتي سخط الناس عليه.

و أمام هذا الانهيار الكبير في أحوال البلاد، أرسل المعز حملته الثالثة علي مصر بقادة جوهر الصقلي الذي استطاع هذه المرة أن يفتح مصر سنة 358 هج/ 969 م، و يسقط الدولة الأخشيدية و تصبح مصر فاطمية.



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات