ذو العمرين وذو الوزارتين


هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني -نسبة إلى سلمان، وسلمان حيٌّ من مراد من عرب اليمن القحطانيين- القرطبي الأصل ثم الطليطلي اللوشي الغرناطي. يلقَّب بلسان الدين، وهو من الألقاب المشرقية، وقد أسبغ عليه الغني بالله النصري لقب ذي الوزارتين؛ لجمعه بين الوزارة والكتابة. ويقال له: "ذو العمرين"؛ لاشتغاله بتدبير الحكم في نهاره، والتصنيف في ليله. ولد بمدينة لَوْشَةُ في الخامس والعشرين من شهر رجب سنة 713هـ / 1313م، ونشأ في غرناطة، وبها تلقى علومه على كبار علمائها، وفيهم العالم باللغة والأدب والعالم بالفقه والأصول وفيهم العالم بالطب. فنهل من كل هذه العلوم. وفي عام 741/هـ تولى الكتابة في ديوان الإنشاء خلفا لأبيه الذي توفي في ذلك العام. وفي عام 749/هـ تولى الوزارة خلفا لأبي الحسن بن الجياب الذي توفي في ذلك العام، وكان وزير السلطان أبي الحجاج يوسف (الأول).

وهو عالمٌ، كاتبٌ، شاعرٌ، مترسِّلٌ، سياسيٌّ، ناظمٌ... أخذ العلم والأدب عن ثلة من الشيوخ وكبار العلماء والأدباء في عصره عن طريق التلمذة لهم. يقول في الترجمة التي كتبها لنفسه:

"قرأتُ كتاب الله عز وجلّ على المكتِّب... أبي عبد الله بن عبد الولي العوّاد كَتْباً ثم حفظاً، ثم تجويداً إلى مَقرى أبي عمْرٍو... ثم نقلني [والدي] إلى أستاذ الجماعة... الشيخ الخطيب أبي الحسن القِيجاطي، فقرأتُ عليه القرآن والعربية، وهو أول مَنْ انتفعْت به. وقرأت على الحسيب الصدر أبي القاسم بن جُزيّ. ولازمت قراءة العربية والفقه والتفسير على الشيخ الأستاذ الخطيب أبي عبد الله بن الفخّار البِيري... وقرأت على قاضي الجماعة الصدْر المتفنِّن أبي عبد الله ابن بكر رحمه الله. وتأدّبت بالشيخ الرئيس صاحب القلم الأعلى... أبي الحسن ابن الجيّاب. ورويتُ عن كثير ممّن جمعهم الزمان بهذا القطر من أهل الرواية... ومن أهل العُدْوة الغربية والمشرق، الكثير بالإجازة. وأخذتُ الطب والتعاليمَ وصناعة التعديل عن الإمام أبي زكريا بن هُذيل ولازمتُه...

وعاصر ابن الخطيب مجموعة من أكابر العلماء ورجال الأدب، وفي طليعتهم العلامة عبد الرحمن بن خلدون الذي أتْحف البشرية بمقدمته الخالدة. وكان الاثنان يتراسَلان ويتبادَلان الكتابات، وكان يقرّ كلٌّ منهما بمكانة الآخر في العلم والمعرفة. وقد ترجم كل منهما للآخر. ومنهم، كذلك، الرحّالة الشهير ابن بطوطة (ت779هـ)، والإمام الأصُولي أبو إسحاق الشاطبي (ت780هـ).

استمر ابن الخطيب في الوزارة بعد مقتل السلطان أبي الحجاج سنة 755/ هـ وقيام ابنه محمد (الخامس) الغني بالله خلفا له. وسافر لسان الدين للغني بالله السلطان المريني أبي عنان فارس تأكيدا للمودة بينهما، واستنجادا على الطاغية الإسباني ملك قشتاله، ونجح لسان الدين في سفارته، فعظمت ثقة الغني بالله بلسان الدين، ورفع رتبته ولقبه بذي الوزارتين، الكتابة والوزارة.

وفي 28 رمضان سنة 760/هـ خلع الغني بالله وسار فارّا إلى فاس ونزل على السلطان أبي سالم إبراهيم، وهو أخو أبو عنان فارس وكان قد توفي سنة 759/هـ. ولم يستطع لسان الدين أن يصانع السلطان إسماعيل (الثاني) ابن يوسف الذي خلع أخاه محمد الغني بالله، فنكبه السلطان وصادر أمواله بتحريض من حوله من حساده، واستطاع لسان الدين أن يهرب فلجأ إلى فاس لاحقا بالسلطان المخلوع. وفي أوائل سنة 763/هـ أقدم أمير من أمراء بني نصر يدعى أبا سعيد محمد على قتل إسماعيل (الثاني) وإعلان نفسه سلطانا باسم محمد (السادس)، فما أن علم محمد (الخامس) الغني بالله بذلك حتى عاد إلى الأندلس بقوة زوده بها السلطان المريني أبو سالم إبراهيم، ونزل في (رنده) وكانت من أملاك بني مرين ومنها سار بقوته ودخل غرناطة.

هرب أبو سعيد محمد (السادس) لاجئا إلى ملك قشتاله. واستدعى الغني بالله لسان الدين من فاس‏، ورده إلى الوزارة وأعاد تلقيبه بذي الوزارتين فعلت مكانته من جديد وعظم نفوذه، وازدهى لسان الدين بهذه المكانة الرفيعة التي أحله بها السلطان، فأثار بذلك حسد حساده وفيهم الوزير ابن زمرك تلميذ ابن الخطيب، ومعه أبو الحسن علي النباهي قاضي الجماعة في غرناطة وكانا صنيعة لسان الدين وغرس نعمته، فجعلوا يحرضون الغني بالله عليه ويتهمونه بالانحراف بولائه والإلحاد، وعلم بذلك لسان الدين، ورأى أن الأسلم له أن يبارح الأندلس فاستأذن الغني بالله في الحج فأذن له.

توجه لسان الدين إلى فاس لاجئا إلى السلطان المريني أبي فارس عبد العزيز المستنصر بن أبي الحسن علي وكان قد تولى السلطنة سنة 767/هـ بعد أحداث جرت في فاس بين "المتنافسين" على السلطة، فكتب الغني بالله إلى المستنصر المريني بالقبض على لسان الدين وقتله، فلم يلتفت المستنصر لهذا الطلب. وجرت لابن الخطيب محاكمة غيابية في غرناطة، حضرها الفقهاء وكبار العلماء، اتهم فيها بالإلحاد اعتمادا على بعض ما جاء في كتابه (روضة التعريف بالحب الشريف) المعروف بكتاب (المحبة)، حيث أولوا بعض مقولاته وفق مقاصدهم، وزعموا أن فيها ما يتضمن طعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، والقول بالحلول ومجاراة مذهب الفلاسفة الملحدين. وكان تلميذه وخلفه في الوزارة القاضي أبو الحسن النباهي أكبر المروجين لهذه الدعاية، وهو الذي تولى صوغ الاتهام وأفتى بوجوب قتله وحرق كتبه. وقد أحرقت كتبه في غرناطة بمحضر من الفقهاء والعلماء والمدرسين.

وفي عام 774/هـ توفي السلطان أبو فارس عبد العزيز وخلفه ابنه أبو زيان محمد السعيد، وكان طفلا وتولى كفالته والقيام بشؤون الدولة الوزير أبو بكر غازي. وكرر الغني بالله طلبه بتسليم ابن الخطيب أو قتله، فلم يستجب الوزير لطلبه. وقام السلطان الغرناطي الغني بالله باصطناع فتنة في المغرب أطاحت بالسلطان المريني القاصر وبوزيره أبو بكر غازي، وتولية السلطنة أبا العباس أحمد المستنصر بن إبراهيم بن علي، وتولية الوزارة لسليمان بن داود. وعلى الأثر حضر الوزير ابن زمرك إلى فاس يطالب أبا العباس المستنصر بثمن إيصاله إلى العرش والقبض على لسان الدين وإعدامه تنفيذا للحكم الصادر عليه في غرناطة، والذي صدّقه الغني بالله.

ولكن أبن العباس المستنصر آثر أن تجري محاكمته بحضوره، فعقد له مجلسا من رجال الدولة والشورى، واستدعى ابن الخطيب ووجهت إليه التهم المنسوبة إليه، وأخصها تهمة الإلحاد والزندقة. وعرضت العبارات التي وردت في كتابه (المحبة) فعظم النكير فيها ووبخ ونكل به، وامتحن بالعذاب الشديد على مشهد من الملأ. وقد أفتى بعض الفقهاء بقتله، ودس عليه الوزير سليمان بن داود بعض الأوغاد فدخلوا عليه في سجنه وقتلوه خنقا في أوائل سنة 776/هـ. وأخرجوا جثته في الغد، ودُفنت بالمقبرة الواقعة تُجاه باب المحْروق؛ أحدِ أبواب فاس القديمة، ثم أخرجت جثتُه في اليوم التالي، وطُرحت فوق القبر، وأضرمت فيها النيران، فاحترق شعر الرأس واسودّت البشَرة، ثم أعيدت الجثة إلى القبر قبل أن تحترق كليةً. وقد وقعت هذه المأساة في ربيع الأول، أو ربيع الآخِر، سنة 776 للهجرة، الموافق لأغسطس، أو شتنبر، سنة 1374 للميلاد.

وقد أشار ابن خلدون إلى تلك الواقعة الأليمة في تاريخه، قائلاً عن القتيل إنه "الهالك لهذا العهد شهيداً بسعاية أعدائه". وهكذا، رحل ابن الخطيب عن دُنيا الناس تاركاً ثلاثة أبناء، هم: عبد الله، ومحمد، وعليّ. وكانت وفاته، كما قال المرحوم محمد عبد الله عنان؛ محقق "الإحاطة"، "ضحية الجهالة والتعصُّب والأحقاد السياسية والوَضيعة"[6]. ومن المواقف البارزة في حياة الرجل، التي يحسُن بنا أن نومئ إليها، موقفُه من مستقبَل غرناطةَ بلدتِهِ، فقد تنبَّأ بسقوط مملكة بني الأحمر نظراً لتلك الحال المُزْرية التي رآها عليها عصْرَئذٍ.




مؤلفاته

وتآليف لسان الدين ابن الخطيب جيدة في ملح الشعر والخبر، وقد توزَّع إنتاجه في التأليف ما بين نظم ونثر، يدور حول الأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والسياسة، والطب، وأصول الدين، والتصوف والشريعة، والموسيقى، والتراجم، بعضه كتبه في غرناطة، والبعض الآخر في المغرب، ويربو على الستين مؤلفا، ما بين كتاب ورسالة. وقد أورد ابن الخطيب ثبتا بمؤلفاته في ترجمته التي عقدها لنفسه في آخر كتابه "الإحاطة"، غير أن هذا الثبت لا يشمل كل كتبه. كما ذكر بعض كتبه ورسائله في كتابيه "نفاضة الجراب" و"ريحانة الكتَّاب". وذكر المقري مؤلفات ابن الخطيب وقال: إنها نحو الستين.

ومؤلفاته التي وصلت إلينا تدور في معظمها حول الأدب والتاريخ، وما لم يصل إلينا فقد أحرق معظمه، ويتعلق بالطب والأخلاق والعقائد.

أولا- مؤلفاته التاريخية

1- الإحاطة في أخبار غرناطة. 2- أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، وما يجرّ ذلك من شجون الكلام. 3- رقم الحلل في نظم الدول. 4- طرفة العصر في دولة بني نصر. 5-قطع الفلاة بأخبار الولاة. 6- اللمحة البدرية في الدولة النصرية. 7- نفاضة الجراب في علالة الاغتراب.

ثانيا- مؤلفاته في الجغرافيا والرحلات

1- خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف. 2- معيار الاختبار في أحوال المعاهد والديار.

3- مفاضلة بين مالقة وسلا.


ثالثا- مؤلفاته في التراجم

1- الإكليل الزاهر فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر. 2- التاج المحلّى في مساجلة القدح المعلّى (القدح المعلى لابن سعيد الأندلسي). 3- عائد الصلة. 4- الكتيبة الكامنة، في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة.

رابعا- المؤلفات الأدبية (شعرا ونثرا)

1- أبيات الأبيات. 2- تافه من جمّ ونقطة من يمّ. 3- تخليص الذهب في اختيار عيون الكتب.

4- جيش التوشيح. 5- خلع الرسن في أمر القاضي ابن الحسن. 6- الدرر الفاخرة واللّجج الزاخرة. 7- ريحانة الكتّاب ونجعة المنتاب. 8- السّحر والشّعر. 9- الصّيّب والجهام والماضي والكهام.

10- طلّ الغمام، المقتضب من الصّيّب والجهام. 11- فتات الخوان ولقط الصّوان. 12- كناسة الدّكّان بعد انتقال السّكّان. 13- المباخر الطيبية في المفاخر الخطيبية. 14- مثلى الطريقة في ذمّ الوثيقة. 15- مساجلة البيان. 16- النّفاية بعد الكفاية.

خامسا- مؤلفاته في الشريعة والتصوف والحث على جهاد النفس

1- استنزال اللّطف الموجود في سرّ الوجود. 2- أنشدت على أهل الرّدّ: (حول الرّدّ على أصحاب الآراء المضلّة وأهل الزندقة). 3- الحلل المرقومة في اللّمع المنظومة( أرجوزة من ألف بيت في أصول الفقه). 4- حمل الجمهور على السّنن المشهور. 5- رجز الأصول. 6- الرّدّ على أهل الإباحة. 7- الرّميمة (حول أصول الدين والدّفاع عن الشريعة). 8- روضة التعريف بالحبّ الشريف. 9- الزّبدة الممخوضة. 10- سدّ الذريعة، في تفضيل الشريعة: كتاب مفقود، يبحث في أصول الدين. 11- كتاب المحبة. 12- الغيرة على أهل الحيرة.

سادسا- مؤلفاته في السياسة

1- الإشارة إلى أدب الوزارة. 2- بستان الدول (يدور حول السياسة والحرب والقضاء وأهل الحرف والمهن، لم يكن يسمع بمثله قبل أن يؤلف). 3- تخصيص الرياسة بتلخيص السياسة. 4- رسالة السياسة. 5- رسالة في السياسة (باللغة القشتالية، موجّهة إلى ملك قشتالة بدرو المعروف بالقاسي). 6- رسالة في أحوال خدمة الدولة ومصائرهم وتنبيههم على النظر في عواقب الرياسة بعيوب بصائرهم. 7- كتاب الوزارة (يبحث في شؤون الوزارة). 8- مقامة السياسة.

سابعا- مؤلفاته في الطب والأغذية

1- أرجوزة في فن العلاج من صنعة الطب. 2- الأرجوزة المعلومة (في علاج السموم). 3- البيطرة (في علاج الحيوانات). 4- البيزرة ( في أحوال الجوارح من الطيور). 5- الرجز في عمل التّرياق الفاروقي. 6- رسالة تكوين الجنين. 7- رسالة الطاعون. 8- عمل من طبّ لمن حبّ. 9- المسائل الطبيّة. 10- المعتمدة في الأغذية المفردة (أرجوزة عن منافع الأغذية ومضارّها). 11- الوصول لحفظ الصّحّة في الفصول (في الحمية). 12- اليوسفي في صناعة الطب.




شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات