معركة نيكوبوليس Battle of Nicopolis





معركة نيكوبوليس  Battle of Nicopolis



      إن الصراع بين الحق والباطل سيظل قائما إلي قيام الساعه فهو سنةٌ ماضية باقية ما بقي على وجه الأرض طائفة على الحق ظاهرة ، والجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين.
      ولقد شهد التاريخ الإسلامي كثيرا من هذه الصراعات التي خاضها المسلمون وهم يدافعون عن أنفسهم ودينهم وحماية لأوطانهم وحضارتهم فالغزاة دائما يأتون من كل حدب وصوب إلي بلاد المسلمين طمعاً في ثرواتها الطبيعية الوفيرة، وسعياً لاحتلالها والسيطرة على موقعها الفريد ذي الأهمية البالغة على خريطة العالم·
      ولا يزال النصر حليفا للمسلمين ما اتبعوا كلام ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام فما انتصر المسلمون يوما بعدد ولا عدة ولقد كان درس حنين كافيا لبيان هذا والتأكيد عليه قال تعالي :" وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ " التوبه 25

واليوم استعرض معكم واحده من أهم المعارك في هذ الصراع الدائر بين الحق والباطل بل هي أعظم كارثة حلت علي أوربا في العصور الوسطي بعد هزيمة عسكرية كارثية للفرسان المسيحيين على أيدي الأتراك العثمانيون .
فقد ظلَّت دولة الخلافة العثمانيَّة شوكة في حلوق ملوكِ أوروبا منذ قيامها، يحاولون بشتَّى الطُّرق القضاءَ على نفوذها وتوسُّعاتها السَّريعة على حساب ممالِكهم وموانيهم وإماراتهم، وزاد فَزع ملوكِ أوروبا مع تولِّي السُّلطان العثماني "بايزيد الأول"، الذي لُقِّب بـ"بايزيد الصاعقة"؛ نظرًا لاندفاعه الرَّهيب في مهاجمة النصارى الأوروبيين وتجريعهم مرارات الهزَائم المتكرِّرة على يد جيوشِه، التي لم تكلَّ ولم تملَّ من مهاجمة مدن أوروبا طيلة فَترة حكمه الرغيدة.


معركة نيكوبوليس  Battle of Nicopolis


معركة نيكوبوليس وقعت سنة (800هـ/1396م) بين العثمانيين بقيادة السلطان بايزيد الأول وبين التحالف الصليبي (  التحالف المجري البلغاري الويلزي الفرنسي البرغندي الألماني وقوات متنوعة ) بقيادة الملك سيجسموند ملك المجر, وكان النصر فيها لصالح المسلمين.

خلفية الصراع

كان لانتصار العثمانيين في معركة كوسوفو عام ( 794هـ / 1389م ) ثم سقوط بلغاريا عام ( 797هـ / 1393م) صدي هائل في ربوع اوربا كلها حيث انتشر الرعب والفزع والخوف في كل بقعهة فيها ثم مالبثت القوي المسيحية أن تحركت سريعا للقضاء علي الوجود العثماني في البلقان وتحريرها خشية من سيطرة العثمانيين على نهر الدانوب و المضائق التركية بالتالي احتكارها طرق التجارة بين أوروبا و البحر الأسود.
قام "سيجسموند" ملك المَجَر والبابا "بونيفاس التاسع" بالدعوة لتكتُّلٍ أوروبي صلِيبي ضدَّ الدولة العثمانيَّة، فلبَّى هذه الدعوةَ أغلبُ ملوك أوروبا وفرسانها، وانضمَّ لهذه الحملة 120.000 مقاتل من مختلف الجنسيَّات (من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإسكتلندا وسويسرا ولوكسمبرج والأراضي المنخفضة الجنوبيَّة وبعض الإمارات الإيطالية)، وفي رواية: أنَّ عدد الجيش الأوروبي بلغ 130 ألف مقاتل.
وقيل: إنَّ هذا التحالف اشتركت فيه 15 دولة أوروبيَّة، كان على رأسها المجَر وفرنسا وإنجلترا وبلغاريا، إلى جانب بعض التكتُّلات المسلَّحة؛ مثل جبهة فرسان رودس، وفرسان الإسبتارية... وغيرها.
وقد ركب الغرور ملوك أوربا بعد هذا التجمع في هذا العدد الكبير حتى أن  قائد الحملة سيجسموند  هذا المغرور الأحمقَ، لا يستمع لنصيحة أحد من باقي قواد الحملة، وقد بلغ به الغرور والاعتداد بجيشه وقوته أن قال: "لو انقضت السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا".
وتكونت أغلب القوات الصليبية من القوات الفرنسية، يليها في الأهمية فرسان المعبد من جزيرة رودس، ويليها الجيش الهنغاري وأمراء وأفراد من أنحاء أوروبا

       وفي المقابل كان جيش المسلمين يقوده السلطان بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغل، (ولد عام 1345 وتوفي 8 مارس 1403، رابع سلاطين الدولة العثمانية حكم بين عام 1389 و1402.

       اعتلى العرش بعد مقتل أبيه السلطان مراد الأول، لقب باسم يلدرم أي الصاعقة نظرًا لحركته السريعة بجيوشه وتنقله بين عدة جهات بمنتهى السرعة ، كان بايزيد في غاية الشجاعة والحماسة للجهاد في سبيل الله –عز وجل، غير أنه امتاز عمَّن سبقوه بسرعة الحركة وقوَّة الانقضاض على أعدائه؛ وكان مجرَّد ذكر اسم يلدرم يُوقع الرعب في نفوس الأوربيين عمومًا، وأهل القسطنطينية خصوصًا ، ويعتبر المؤرخون السلطان بايزيد، الملقب بالصاعقة، المؤسس الأول للدولة العثمانية على أساس من الشريعة الإسلامية والتقاليد العثمانية، وأنه هو الذي أعطاها لأول مرة صبغة الدولة المنظمة ذات المؤسسات المتخصصة بعد أن كانت أشبه بإمارة بسيطة قائمة على الغارات والفتوح.








قبل المعركه

شرع بايزيد في إقامة علاقات ودية مع الصرب مع أنهم كانوا السبب في قيام تحالف بلقاني ضد الدولة العثمانية وكان غرض بايزيد من هذه العلاقة اتخاذ دولة الصرب كحاجز بينه وبين المجر، وكان يشعر بضرورة اتخاذ حليف له في سياسته العسكرية النشطة التي استهدفت الامارات السلجوقية التركية الاسلامية في آسيا الصغرى ولذلك وافق بايزيد على أن يحكم الصرب ابنا الملك (لازار) الذي قتل في معركة قوصوة وفرض عليهما أن يكونا حاكمين على صربيا، يحكمانها حسب قوانين بلاد الصرب واعرافها وتقاليدها وعاداتها، وأن يدينان له بالولاء ويقدمان له جزية وعدداً معيناً من الجنود يشتركون في فرقة خاصة بهم في حروية وتزوج ابنة الملك لازار.


بداية المعركة

تجمع التحالف الصليبي قرب بودابست قبل شهرين من المعركة، ولما اجتمع القادة لمناقشة خطط القتال القادم اختلفوا اختلافاً شديداً، إذ كان بايزيد قد توعد في السنة الماضية أنه سيهاجم هنغاريا في شهر أيار/مايو، وها هم بعد الموعد الذي ضربه بشهرين ولا أثر له، وأثار هذا حماسة الفرنسيين الذين اعتبروه جباناً يفر من المواجهة، وأن عليهم إنجاز ما جاءوا من أجله وتعقبه إلى عقر داره وهزيمته الهزيمة الأخيرة! وخالفوا رأي سيجيسموند، وهو الخبير بالأتراك، الذي قال لهم: إن بايزيد آت ولا بد، فلنبق هنا في انتظاره وجنودنا مرتاحة جاهزة بدلاً من أن نسير إليه.
وسارت الحملة الصليبية قرابة 800 كيلومتر على ضفاف الدانوب، ولما دخلت المناطق الخاضعة للأتراك نهب أفرادها الممتلكات وانتهكوا الأعراض رغم أن سكان هذه المناطق من المسيحيين، وحقق الصليبيون انتصارات مبدئية حين استولوا على فيدين التي كانت عاصمة بلغاريا الغربية، فقد سلمها أميرها البلغاري سلماً دون قتال، فقام الفرنسيون بقتل كل الجنود الأتراك فيها، وقتلوا الأهالي ونهبوا الممتلكات وأخذوا 1.000 من سكانها الأتراك والبلغار رهائن، ثم أحرقوا البلدة ، وزاد هذا من شعورهم أن الأتراك أضعف من أن يفكروا بمواجهتهم في ميدان القتال.

ثم بدأ الصليبيون في حصار مدينة نيكوبوليس، و كانت مدينة ذات سورين، على هضبة عالية صعبة المرتقى تتحكم بالدانوب الأسفل والطرق البرية، وكان القائد التركي دوغان بك قد استعد للصليبيين بأن أحكم تحصينها وشحنها بالمؤن والسلاح،  وكان على يقين أن السلطان بايزيد سينجده ويدحر الصليبيين، وفي المقابل كان الصليبيون يفتقدون آلات الحصار ومدافعه الثقيلة فقرروا القيام بحصار طويل إلى أن تنفد مؤن الحصن ويضعف مقاتلوه فيستسلموا أو يقتحموه بأقل الخسائر،  وعلم السلطان بايزيد بنبأ الحصار، فترك قواته المرابطة على القسطنطينية وساق على جناح  السرعة إلى نيكوبوليس على رأس جيشه، وتواترت الأخبار بقدومه ولكن بعض القادة الفرنسيون اعتبرها مجرد إشاعات تثار لإضعاف الروح المعنوية لدى الصليبين، ونصب قائد فرنسي خرج يستطلع كميناً ناجحاً لفرقة تركية وأثخنها قتلاً، وعاد برايات الظفر إلى المعسكرات، فقوى هذا من اعتقاد الفرنسيين جبن وضعف الأتراك، وزادهم استهتارا بهم ،ولم يتصوروا أبداً أن بايزيد سيصل على جناح السرعة ليقاتلهم.
وفي صباح يوم المعركة أرسل سيجيسموند كبير قادته ليقول إن جواسيسه يراقبون الطلائع التركية، وسأل تأجيل الهجوم ساعتين ريثما يعود جواسيسه بتقييم دقيق لعدد ومواقع قوات العدو، وأثار هذا شك بعض القادة الفرنسيين في أن تكون خدعة منه ليحرمهم من شرف المعركة، وبعد نقاش مستفيض قرر الفرنسيون مباشرة الهجوم على الهضبة.
وبدا للفرنسيين أول الأمر أنهم انتصروا فقد تشتت الخطوط الأولى من مشاة الأتراك، ولكن الخوازيق الخشبية كانت في انتظارهم فقتلت خيولهم واضطر كثير منهم للترجل والتخلي عن فرسه، ولما وصلوا أعلى الهضبة حيث كانوا يتوقعون أن يفتكوا بالقوات التركية المنهزمة، كان بايزيد ينتظرهم مع جماعة كبيرة من فرسانه يعضدهم 5000 فارس من الصرب وباغَتَهم بالهجوم السَّريع الذي اضطرب معه الجيشُ الصليبي ولاذ أغلبُهم بالهرب، وكان ظهور العثمانيين فجأة كفيلاً بإدخال الرعب والهول في قلوب الصليبيين, وقد أعمل فيهم بايزيد وجنودُه القتلَ والذَّبح، إلى جانب أنَّه أسر أربعةً من رؤساء دُول التَّحالف وقادة الجيش خلال هذه الحَمْلة الخاطفة ، وحاول سيجيسموند أن يهب لنجدتهم فدخل المعركة على عجل ولكن جنوده من الأفلاق وترانسلفانيا خذلوه وانسحبوا، ولم تكن قواته الهنغارية لتغني فتيلاً أمام الجيش التركي.
وأوقع الأتراك هزيمة منكرة بالصليبيين الذي قتل أكثرهم، ومن فاته القتل غرق في نهر الدانوب، وقتل عدد من كبار القادة الفرنسيين وأُسِر في المعركة جون الذي لا يعرف الخوف ومساعده جّي، واستطاعت قلة قليلة منهم أن تنجو بأرواحها بعيداً عن ميدان القتال،.
ومنهم المغرور سجسموند، الذي ولَّى هاربًا مثل الفأر المذعور ومعه رئيس فرسان رودس وترك خلفه حملته الفاشلة تذوق ويلات هزيمة مروعة.  ولما بلغا في فرارهما شاطِئ البحر الأسود، وجد هناك الأسطول النصراني، فوثبا على إحدى السُّفن وفرَّت بهما مسرعة .
وأمر السلطان بايزيد بفرز الأسرى إلى نبلاء ينتظر منه افتداء أنفسهم بمبالغ كبيرة، وعامة يحالون إلى أعمال السخرة في تركيا، ولكنه لما اكتشف جثث الرهائن القتلى غضب غضباً شديداً وأمر بقتل عدد من أسرى العامة أمام أعين النبلاء الأسرى، وساق كل بقية الأسرى إلى جاليبولي ثم اعتقل نبلاءهم في العاصمة بورصة في انتظار مفاداتهم.
ووصلت أخبار الهزيمة المنكرة إلى باريس بعد قرابة شهرين، واتهمت الحكومة ناقليها بتخريب الروح المعنوية وهددتهم بالتغريق، ثم ما لبث أن تأكد الأمر حين وصل أحد النبلاء الأسرى إلى فرنسا، أرسله بايزيد ليسعى في فدية أصحابه، فأقيمت المناحات على القتلى والمفقودين، وأعلنت الحكومة الحداد في سائر أنحاء فرنسا، وبدأت، تساعدها البندقية، المفاوضات مع السلطان بايزيد لإطلاق سراح هؤلاء التي مات بعضهم في الأسر وعاد بعضهم إلى فرنسا بعد قرابة سنة.
وبانتصاره في نيكوبوليس جعل بايزيد الأوربيين يفكرون ألف مرة قبل أن يشكلوا تحالفاً جديداً ضد الأتراك، وبعد هزيمة الصليبيين أصبح سقوط القسطنطينية مسألة وقت لا أكثر، فقد كان العثمانيون يحاصرونها من البر، وقال السلطان بايزيد في إحدى مراسلاته للإمبراطور مانويل: إن إمبراطوريتك لا تتعدى حدود أسوار مدينتك.






وقد خرج بايزيد الصاعقة من معركة نيكوبوليس بغنائم غزيرة، واستولى على معظَم ذخائر الجيش التي أحضرها معه، واسترقَّ كثيرًا من الجنود مِن أسرى المعركة.
وبعد نهاية المعركة اقتصَّ من حكَّام شبه جزيرة المورة (اليونان) الذين قدَّموا مساعدةً عسكريَّة للجيش الصليبي، فدمَّر أراضيهم واسترقَّ منهم.
قد أسفرَت هذه المعركة عن هزيمة جيش التحالف الصليبي ونهاية الإمبراطورية المجرية الثانية.

وكانت المجر أكبر الخاسرين في هذه الحرب؛ فقد تضاءلَت مكانة المجر في عيون المجتمعِ الأوروبي بعد معركة نيكوبوليس، وتبخَّر ما كان يحيط بها من هَيبة ورَهْبة، وكانت هذه المعركة بمثابة نهاية لملوكِها في تِلك الحقبة حيث فقدَت الكثيرَ من أملاكها لصالح بولندا وألمانيا، وبعد قليلٍ انهارَت تلك المملكة الكبيرة.
لقد كان ذلك النصر المظفر له أثر على بايزيد والمجتمع الاسلامي، فقام بايزيد ببعث رسائل الى كبار حكام الشرق الأسلامي يبشرهم بالانتصار العظيم على النصارى، واصطحب الرسل معهم الى بلاطات ملوك المسلمين مجموعة منتقاة من الأسرى المسيحين باعتبارهم هدايا من المنتصر ودليلاً مادياً على انتصاره. واتخذ بايزيد لقب (سلطان الروم) كدليل على وراثته لدولة السلاجقة وسيطرته على كل شبه جزيرة الأناضول. كما أرسل الى الخليفة العباسي المقيم بالقاهرة يطلب منه أن يقر هذا اللقب حتى يتسنى له بذلك أن يسبغ على السلطة التي مارسها هو وأجداده من قبل طابعاً شرعياً رسمياً فتزداد هيبته في العالم الاسلامي، وبالطبع وافق السلطان المملوكي برقوق حامي الخليفة العباسي على هذا الطلب لأنه يرى بايزيد حليفه الوحيد ضد قوات تيمورلنك التي كانت تهدد الدولة المملوكية والعثمانية وهاجر الى الاناضول آلاف المسلمين الذين قدموا لخدمة الدولة العثمانية، وكانت الهجرة مليئة بالجنود وممن أسهموا في الحياة الاقتصادية والعلمية والحكومية في إيران والعراق ومارواء النهر- هذا بالاضافة الى الجموع التي فرت من أمام الزحف التيمورلنكي على آسيا الوسطى.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات