معركة موهاكس



مرت على الدولة العثمانية عدة أطوار انتقلت فيها من ضعف إلى قوة ثم من قوة إلى ضعف وفي كل طور كان يظهر من أعداء الإسلام الكيد والحرب حسب كل طور فحال قوتها الأعداء يدفعون الجزية ويرضون بالهوان وحال الضعف يتحالفون فيما بينهم للقضاء على الإسلام الممثل في الدولة العثمانية

فمنذ أن بزغ نجم الدولة العثمانية على الساحة الأوروبية خاصة في منطقة البلقان، تزعمت مملكة المجر -والتي كانت تعتبر وقتها أقوى الممالك النصرانية- قيادة التحالف الأوروبي الصليبي، ودخلت في عدة معارك طاحنة ضد الدولة العثمانية، بل إن ملوك المجر أنفسهم كانوا يشتركون في القتال بأنفسهم، ومن أشهر المعارك التي خاضتها المجر ضد المسلمين العثمانيين معركة نيكوبلس سنة 798هـ في عهد السلطان بايزيد الصاعقة، حيث قاد سيجموند ملك المجر تحالفًا صليبيًا مكونًا من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وإسكتلندا ولوكسمبرج، وانتصر المسلمون، ومعركة فارنا سنة 848هـ في عهد السلطان مراد الثاني، حيث قَادَ لاديسلاسي ملك المجر تحالفًا صليبيًا جديدًا يفوق سابقه، وانتصر المسلمون وقَتَل مرادُ الثاني لاديسلاسي بيده في مبارزة رهيبة بين الرجلين، وهكذا ظلّت مملكة المجر طوال قيامها مملكة للشر والتآمر ضد الدولة العثمانية ورأس حربة في الصراع بين الإسلام والنصرانية في القارة الأوروبية عمومًا ومنطقة البلقان خصوصًا.

و معركة موهاكس بالإنگليزية: Battle of Mohács؛ بالمجرية: mohácsi csata or mohácsi vész; بالتركية: موهاچ سواشي Mohaç savaşı أو Mohaç meydan savaşı; بالكرواتية: Bitka na Mohačkom polju) وقعت في 21 ذي القعدة 932هـ/29 أغسطس 1526 بين جيش الأتراك العثمانيين بقيادة السلطان سليمان القانوني، والجيش المجري بقيادة الملك المجري لويس الثاني. وفيها انتصر العثمانيون على المجريين والأسبان.

من هو سليمان القانوني ؟

هو عاشر ملوك الدولة العثمانية. وأوسع ملوكها عزًا ومجدًا، ويمثل عهده قمة بهاء دولتهم . وكان من عادته إرسال الخطابات إلى كافة الولاة وأشراف مكة والمدينة بخطابات مفعمة بالنصائح والآيات القرآنية المبينة، وذكر فضل العدل والقسط في الأحكام،وعاقبة البغي والظلم. وكان يستهل خطاباته بالآية الشريفة : [ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ] .

وقد بلغت الدولة في عهده أقصى اتساع لها حتى أصبحت أقوى دولة في العالم في ذلك الوقت، واشتهر بسليمان القانوني، لأنه وضع نظمًا داخلية في كافة فروع الحكومة، فأدخل بعض تغييرات في نظام العلماء والمدرسين الذي وضعه محمد الفاتح، وجعل أكبر الوظائف العليا وظيفة المفتي، وأدخل التنظيمات على جيش الإنكشارية، وكانت كلها في ضوء الشريعة الإسلامية، ولم تكن مستمدة من القوانين الوضعية كما قد يتبادر إلى الأذهان.

وهو أكثر سلاطين المسلمين جهاداً وغزواً في أوروبا - ووصلت جيوش المسلمين في عهده الى قلب أوروبا عند أسوار فيينا مرتين !! - مجدد جهاد الأمة فى القرن العاشر - أقام السنّة وأحيا الملّة وقمع البدعة والروافض - صاحب انتصار المسلمين في معركة موهاكس التى كانت من أيام الله الخالدة وتُعد غرة المعارك الإسلامية فى شرق أوروبا وهو أعظم سلاطين الدولة العثمانية وأكثرهم هيبة ورهبة فى قلوب النصارى وأشدهم خطرا عليهم - وكان من خيار ملوك الأرض !!
حكم المسلمين قرابة ثمانية وأربعين سنة وامتدت دولة الخلافة الاسلامية في عهده في ثلاث قارات وأصبحت القوة العظمى في العالم بأسره بلا منازع وتمتلك أعتى الجيوش والأسلحة وصاحبة السيادة في البحار والمحيطات !!
يقول المؤرخ الألماني هالمر " كان هذا السلطان أشد خطرا علينا من صلاح الدين نفسه" !!!
ويقول المؤرخ الانجليزي هارولد " إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى "!!!

أسباب معركة موهاكس
عندما تولى السلطان سليمان القانوني مقاليد الخلافة رفض ملك المجر دفع الجزية التي كان يدفعها للخليفة سليم الأول ظنا منه أنه أمام خليفة شاب لا يملك قوة أبيه و لم يقف الأمر عند هذا الحد فقام ملك المجر بقتل رسول الخليفة، عندها جهز السلطان سليمان جيشا كبير خرج على رأسه من إسطنبول في (11 رجب 932هـ/23 إبريل 1526م) كان مُؤَلَّفًا من نحو مائة ألف جندي، وثلاثمائة مدفع وثمانمائة سفينة .حتى بلغ "بلجراد"، ثم تمكن من عبور نهر الطونة بسهولة ويسر بفضل الجسور الكبيرة التي تم تشييدها، وبعد أن افتتح الجيش العثماني عدة قلاع حربية على نهر الطونة وصل إلى "وادي موهاكس" بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا 1000 كيلو من السير، وهذا الوادي يقع الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلجراد، و170 كم جنوبي بودابست. وكان في انتظاره الجيش المجري البالغ نحو مائتي ألف جندي، من بينهم 38000 من الوحدات المساعدة التي جاءت من ألمانيا، ويقود هذه الجموع الجرارة الملك "لايوش الثاني". حيث قام الصدر الاعظم إبراهيم باشا باعداد الخطة التي تتضمن انسحاب مقدمة العثمانيين وتراجعها حتى يندفع المجريون نحوهم فتحصدهم المدافع والقناصة العثمانيين.

وفي صباح يوم اللقاء الموافق (21 من ذي القعدة 932 هـ= 29 من أغسطس 1526 م) دخل السلطان سليمان بين صفوف الجند بعد صلاة الفجر، وخطب فيهم خطبة حماسية بليغة، وحثهم على الصبر والثبات، ثم دخل بين صفوف فيلق الانكشارية وألقى فيهم كلمة حماسية استنهضت الهمم، وشحذت العزائم، وكان مما قاله لهم: "إن روح رسول الله صلى الله عليه وسلم تنظر إليكم"؛ فلم يتمالك الجند دموعهم التي انهمرت تأثرًا مما قاله السلطان.
والتقى الجيش العثماني مع الجيش المجري في وادي موهاكز
وفي وقت العصر هجم المجريون على الجيش العثماني الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه إبراهيم باشا الفرنجي الصدر الاعظم ومعهم مدافعهم الجبارة، وجنودهم من الإنكشاريين في الصف الثالث، فلما هجم فرسان المجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام أمر إبراهيم صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، حتى إذا وصلوا قريبًا من المدافع، أمر إبراهيم بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدًا، واستمرت الحرب ساعة ونصف الساعة في نهايتها أصبح الجيش المجري في ذمة التاريخ، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك لايوش الثاني وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين ألف و خمسمائة شهيدًا، وبضعة آلاف من الجرحى.
وقد أراد الجيش الأوروبي الاستسلام ؛ فكان قرار السلطان سليمان القانوني الذي لن تنساه أوروبا له حتى الآن وللأتراك العثمانيين وتذكره بكل حقد : لا أسرى ! . وأخذ الجنود العثمانيون يناولون من يريد الأسر من الأوروبيين سلاحه ليقاتل أو يذبح حياً ! وبالفعل قاتلوا قتال الميئًوس واليائس، وانتهت المعركة بمقتل فيلاد، والأساقفة السبعة الذين يمثلون النصرانية، ومبعوث البابا، وسبعون ألف فارس، ورغم هذا تم أسر 25 ألف جريح ، وتم عمل عرض عسكري في العاصمة المجرية من قبل العثمانيين، وقبَّل الجميع يد السلطان سليمان تكريما له، بما فيهم الصدر الأعظم، ونظم شئون الدولة ليومين ورحل ،وانتهت أسطورة أوروبا والمجر، وقد استشهد من العثمانيين 150 جندياً فقط ( مختلف عليه ) ، وجرح 3000 آلاف، والجيش في كامل قوته لم يُستنزَف أبداً !

نتائج المعركة
كانت تلك المعركة حادثة نادرة في التاريخ حيث هُزم أحد أطرافها على هذا النحو من مصادمَة واحدة وفي وقت قليل لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة
بعد موهاكس، دخل المسلمون عاصمة المجر بودا وهي جزء من العاصمة الحالية للمجر بودابيست بعد أن اتحدت مع مدينة بيست، دخل المسلمون المدينة وهم يكبرون، وتصادف أن يدخلوها في عيد الأضحى، فتلقى سليمان القانوني تهاني عيد الأضحى والنصر في بودا بعد أن كان قد تلقى تهاني عيد الفطر و النصر في بلغراد.
وكان من نتائج هذه المعركة أيضًا أن استولى العثمانيون على كل المنطقة الممتدة بين عاصمتهم إلى أسوار فيينا، وانهار الحاجز المجري الذي كان يقف في وجه العثمانيين للوصول إلى النمسا وألمانيا.

مكث السلطان في المدينة ثلاثة عشر يومًا ينظم شئونها، وعين جان "زابولي" أمير ترانسلفانيا ملكًا على المجر التي أصبحت تابعة للدولة العثمانية، وعاد السلطان إلى عاصمة بلاده بعد أن دخلت المجر للدولة العثمانية وتقلص نفوذ الملك الإسباني.
هذه المعركة من أغرب المعارك في التاريخ ، من حيث سرعة الحسم،ومازالت تثير تساؤلات واستهجان وحقد ودهشة بعض المؤرخين الأوربيين، وعلى الرغم من انقضاء أكثر من ٤٠٠ عام.
و تعد تلك المعركة الفارقة شيء يسير جدا من تاريخنا الإسلامي المشرق الذى لانعرفه للأسف و تركنا الفرصة للأعداء أن يشوهوا صورة رموز أمتنا و يحرفوا تاريخنا بحقدهم وغيظهم الذي يشهد له التاريخ، و وصل بنا الجهل والهوان الى ان نصدق تلك الاكذيب و نرددها بلا تثبت ولا تفكير !!

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات