دولة القرامطه






نـشــأتـهـا


تشير أكثر المصادر إلى أنّ مؤسّس مذهب القرامطة هو حمدان بن الأشعس الملقّب بقرمط، وكان أكاراً من الكوفة وأصله فارسيّ مجوسيّ، وقيل صابئيّ. وكان قد دخل في بداية حياته في مذهب الإسماعيلية الباطنيّة على يد حسين الأهوازي ابن مؤسّس المذهب الإسماعيلي العبيدي عبدالله بن ميمون بن ديعان القدّاح اليهودي، وقد عُرف عن حمدان شخصيّته القويّة وعلاقاته الاجتماعية الكثيرة ورأيه المقنع، وكان يعيش ضمن مجتمع يحقد على الخلافة العبّاسية، كلّ هذه الأمور مجتمعة ساعدته على نشر مذهبه، لكنّ حمدان القرمطي سرعان ما انقلب على الإسماعيليّة الباطنيّة منشئاً مذهبه الخاصّ به، كما أنشأ مركزاً له في الكوفة عام 277هـ أسماه دار الهجرة. ومن هذا المركز بدأ حمدان بإرسال دعاته الذين انتقاهم بدقّة لنشر دعوته بين جهلة الناس عامّة وبين المجوس المتستّرين وأحفاد اليهود بصورة خاصّة، ومن أشهر دعاته أخوه مأمون وزكرويه بن مهرويه الذي ورث عن أبيه كره الإسلام وأمل القضاء عليه وتأسيس دولة فارسية على أنقاضه تقوم على أساس الدين المجوسي، وكذلك كان ابن عمّ حمدان وصهره عبدان مفكّر القرامطة وأبو الفوارس قائد تمرّدهم عام 289، وأبو سعيد الجباني في البحرين، ومن أشهر من كتب لهم محمّد بن أحمد النسفي صاحب كتاب المحصول، وأبو يعقوب السجزي المعروف ببذاته صاحب كتاب أساس الدعوة وكتاب تأويل الشرائع وكتاب كشف الأسرار (لاحظ أن للخميني كتاب بنفس الإسم).


كان القرامطة قوة عسكرية بدوية تعتمد في حياتها علي الغارات التي تشنها علي الدول المجاورة . و كان القرامطة من ألد اعداء العباسيين، و صاروا يهاجمون الخلافة العباسية في العراق . و كانوا علي علاقة صداقة في بادئ الأمر مع الخلافة الفاطمية علي اساس أن كلاهما يدينون بالمذهب الشيعي ، ثم أنقلبوا علي الفاطميين و هاجموا أملاكهم في الشام و فلسطين.

حاولوا الاستيلاء علي دمشق سنة 289 هج بقيادة أميرهم زكرويه و لكن الخليفة العباسي المكتفي استطاع التصدي لهم و قتل قائدهم زكرويه سنة 290 هج.

وقد ملك القرامطة الأحساء والبحرين وعمان وبلاد الشام وحاولوا ملك مصر ففشلوا، واستمرت دولتهم حتى سنة (466)هـ حيث قضى عليها عبيد الله بن علي محمد عبد القيسي بمساعدة ملك شاه السلجوقي .


وأخذت القرامطة تناوئ الدولة العباسية وتحاول الفتك بها، وخاضت ضدها حروبًا كثيرة، تارة سعت بالخيانة، وتارة أخرى أحاطوا بالخلفاء العباسيين الذين كانوا قد بلغوا من الضعف مبلغًا، حتى لم تكن لهم سلطة فعلية، وتجرأت القرامطة على أشرف البقاع؛ الحرم المكي، وسرقوا الحجر الأسود من الكعبة، وأخذوه إلى بلادهم، وأضعفوا الخلفاء، حتى إنه في خلافة الراضي بالله محمد ابن المقتدر العباسي استولى الروم على عامة الثغور، وقدمت عساكر المعز لدين الله أبي تميم الفاطمي إلى مصر، وانقطعت الدعوة العباسية من مصر والشام


هاجم القرامطة مكة المكرمة التي كانت تتبع الخلافة العباسية في عام 317 هجري ،و انتزعوا الحجر الأسود من الكعبة و انتزعوا بابها و قاموا بأعمال دموية بشعة فقتلوا من الحجاج 30 ألفاً ، ثم عادوا لديارهم و معهم الحجر الأسود ووضعوه في كعبة بديلة في الإحساء ليحج إليها الناس .


كيف عاد الحجر للكعبة...

ظل الحجر الأسود معهم في الإحساء لمدة 22 عاماً ، يطوف الناس حول الكعبة و لا يجدون الحجر الأسود ، حتي هدد الخليفة العزيز بالله الفاطمي في مصر القرامطة أن يسير لهم جيشاً إلي الإحساء ليعيد الحجر الأسود، فخافوا على ملكهم في الإحساء و أعادوا الحجر الأسود إلي مكة سنة 339هجري.


ومن خيانات القرامطة:

ما فعلوه في سنة (294)هـ، من تعرضهم للحجاج أثناء رجوعهم من مكة بعد أداء المناسك فلقوا القافلة الأولى فقاتلوهم قتالاً شديدًا، فلما رأى القرامطة شدة القافلة في القتال، قال: هل فيكم نائب السلطان؟ فقالوا: ما معنا أحد، فقالوا: فلسنا نريدكم، فاطمأنوا وساروا فلما ساروا، أوقعوا بهم وقتلوهم عن آخرهم.

وتعقبوا قوافل الحجيج قافلة قافلة يعملون فيهم السيف، فقتلوهم عن آخرهم، وجمعوا القتلى كالتل، وأرسلوا خلف الفارين من الحجيج من يبذل لهم الأمان فعندما رجعوا قتلوهم عن آخرهم، وكان نساء القرامطة يطفن بين القتلى يعرضن عليهم الماء، فمن كلمهن قتلنه، فقيل إن عدد القتلى بلغ في هذه الحادثة عشرين ألفا، وهم في كل ذلك يغورون الآبار، ويفسدون ماءها بالجيف والتراب والحجارة، وبلغ من ما نهبوه من الحجيج ألفي ألفي دينار



عــقــيــدتــهــم

إعتمدت عقيدة القرامطة كغيرها من فرق الباطنيّة على إخفاء ما يؤمنون به وإظهار أنفسهم على أنّهم مسلمون ليسهل عليهم الاندماج في المجتمع والدعوة إلى دينهم، حتّى إذا وثقوا من تابعهم أطلعوه على خفايا عقيدتهم. وهم يتأوّلون الأحكام الشرعية على ما يوافق ضلالاتهم وأهوائهم، فيتأوّلون قوله سبحانه وتعالى {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] على أنّه من عرف التأويل فقد أتاه اليقين، وعليه فمن عرف معنى العبادة فقد سقط عنه فرضها، وأوّلوا كذلك أركان الشريعة: فالصلاة عندهم موالاة إمامهم، والحجّ زيارته وإدمان خدمته، والصوم هو الإمساك عن إفشاء سرّ الإمام لا الإمساك عن الطعام والشراب، والمراد بالزنى عندهم إفشاء سرّهم بغير عهد وميثاق.


وقد اختلف المؤرّخون والمصنّفون في أصل مذهبهم، فمنهم من قال بأنّهم صابئة، ومنهم من ذكر بأنّهم من المجوس الإباحيّة أتباع فزدك المؤبد كما ذكر ابن حزم الظاهري، حين وصفهم فقال: ومن هذه الأصول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة، وهما طائفتان مجاهرتان بترك الإسلام جملة، قائلتان بالمجوسيّة المحضة، ثمّ مذهب مزدك المؤبد... وكان يقول بوجوب تواسي (تساوي) الناس في النساء والأموال.


وقد نسبهم الإمام عبدالقاهر الإسفرائيني إلى الدهرية الزنادقة، فيقول: الذي يصحّ عندي من دين الباطنيّة أنّهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلّها، لميلها إلى استباحة كلّ ما يميل إليه الطبع. ويستدلّ على قوله برسالة عبدالله بن الحسين القيرواني إلى سليمان بن الحسين بن سعيد الجَنَّابي في كتابهم «السياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأعظم» يوصيه فيها: أدع الناس بأن تتقرّب إليهم بما يميلون إليه، وأوهم كلّ واحد منهم بأنّك منهم، فمن آنست منه رشداً فاكشف له الغطاء وإذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة مُعَوَّلُنا، وأنا وإيّاهم مجموعون على ردّ نواميس الأنبياء، وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا فيه بعضهم من أنّ للعالم مدبّراً لا نعرفه...


فرق القرامطة :

القرامطة توزّعوا في أيّام ظهورهم إلى ثلاث فرق ، ومرّوا في ثلاث مراحل ، وتقلّبوا في ثلاثة أدوار :

الفرقة الاَُولى : وهي قرامطة السّواد ـ أي سواد العراق ـ وقد أطلق لفظُ السواد على هذه المنطقة لكثرة النخيل الذي يُغَطِّي أرضها ، ويطلق على هذه الفرقة



نهاية القرامطة

في عام 931 م سلم أبو طاهر الجنابي -وهو قائد القرامطة في البحرين- زمام الدولة في البحرين إلى شاب فارسي كان قد رأى فيه المهدي المنتظر.لكن ثبت ان ذلك القرار كان مدمرا بالنسبة للحركة القرمطية فقد أقدم ذلك الشاب على اعدام بعض أعيان دولة البحرين حتى وصل الامر إلى سب محمد والانبياء الاخرين الامر الذي هز القرامطة والمجتمع الإسلامي ككل مما أضطر أبو طاهر بالاعتراف انه قد خدع وان هذا الشخص دجال وامر بقتله.

لم تدم زعامه الشاب الفارسي الا 80 يوم الا انها اضعفت نفوذ القرامطة وكانت ايذانا في بداية نهاية دولتهم.

تحولت الاعمال العدائية بين قرامطة البحرين والفاطميين إلى حرب معلنة ابان عهد الإمام المعز وذلك في أعقاب الفتح الفاطمي لمصر سنة 969 م.وبحلول نهاية القرن العاشر كان قرامطة البحرين قد تقلصوا إلى قوة محلية وبحلول منتصف القرن الحادي عشر كانت الجماعات القرمطية في العراق وفارس وماوراء النهر قد انحازت إلى جانب الدعوة الفاطمية.

بدأ الضعف يسري في بنيان دولة القرامطة منذ نهاية القرن الرابع هجري، فاستغلت قبائل إقليم البحرين هذه الفرصة وأخذوا ينازعونهم السيادة. وذكر ابن خلدون في تاريخه: أن الأصغر أبا الحسن الثعلبي زعيم بني ثعلب في الأحساء قد تحالف مع بني مكرم رؤساء عمان لطرد القرامطة، فاستولى بنو مكرم على عمان والأصغر على الإحساء وخطب فيها للخليفة العباسي.

وادى ضعف القرامطة إلى ظهور ثلاث تكتلات في إقليم البحرين وهي:

بنو الزجاج في جزيرة أوال: ويقودها أبو بهلول الزجاجي من عبد القيس. كان ضامنا للمكوس في جزيرة أوال.

إمارة آل عياش في القطيف: من بني عبد القيس، قضوا على حكم البهلول في جزيرة أوال، مما مكنهم من توحيدها مع القطيف.

العيونيون: بزعامة عبد الله بن علي العيوني. وهي أقوى وأخطر تلك التكتلات.

عندما هزم القرامطة أمام نفوذ آل البهلول المتنامي في جزيرة أوال بالبحرين وفقد العديد من جنود وسفن القرامطة غرقا. أدى ذلك إلى تدهورهم، وتخلت عنهم العديد من القبائل، فتعاهدت بعض بطون ربيعة بن نزار على التخلص من نفوذ القرامطة، فأمروا عليهم عبد الله بن علي العيوني زعيم آل إبراهيم ومؤسس دولة العيونيون.



بقيت آثار للقرامطة تغيّر جلودها واسمها من آن لآخر حسب الظروف التي تحيط بهم، وكانوا على مرّ العصور يحملون الحقد في صدورهم للأمّة الإسلام، فما إن تأتيهم الفرصة للكيد للمسلمين حتّى تراهم يسرعون في اقتناصها والعمل بها سواء كانت خيانة أو مساعدة لغاز محتل، كما حصل بمساعدتهم للتتار في العراق وبلاد الشام، وكذلك وقوفهم بجانب الصليبيين في حملاتهم المشهورة ضدّ المسلمين في مصر والشام. ومن بقاياهم الآن جزء منهم في عُمان واليمن يلقّبون بالصوالحيين والمكرمية، ولا تزال بقايا للإسماعيليين البهرة في العراق وفارس والهند، وما زالوا يتربّصون الفرصة للفتك بالمسلمين وإعادة دولتهم من الشام إلى الجزيرة العربية، وبفضل اللـه ثمّ وعي بعض المسلمين على مرّ العصور فإنّهم لم ولن يستطيعوا القضاء على بيضة الإسلام، وذلك لوعد اللـه بنصرة دينه واستخلاف عباده في الأرض.


شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات