التسويف الأسباب والعلاج Procrastination causes and treatment




التسويف

تعريف التسويف:
سَوْف حرف مبني على الفتح يخصِّص أفعال المضارعة للاستقبال البعيد ، فيردّ الفعل من الزمان الضيّق وهو الحال إلى الزمان الواسع وهو الاستقبال . وهو يقتضي معنى المماطلة والتأخير.
التسويف لغة يطلق على معان عدة، نذكر منها:
التأخير والمماطلة، يقال: سوف يسوف تسويفا أخر، وماطل، يؤخر، ويماطل، تأخيراً، ومماطلة. والتهويل، يقال: سوَّف الأمر تسويفاً معنى هوله وضخم من شأنه، والوعد، يقال: سوف بالحسنة تسويفاً يعني وعد بها مستقبلاً والوعيد، يقال: سوف بالسيئة تسويفا، يعني توعد بها مستقبلا.
 قال تعالي " لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" ﴿٦٧ الأنعام﴾ ، " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ " ﴿٣٩ هود﴾ ، " قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " ﴿٩٨ يوسف﴾

والتسويف هو تأخير وتأجيل تنفيذ عمل ما دون مسوّغ أو عذر حقيقي مقبول.
ونحن عندما نلجأ للتسويف فإننا إما أن نُرجئَ العملَ إلى وقت ما في المستقبل؛ "سأزور صديقي يوما ما", أو أن يحين الوقتُ المحدد مسبقاً دون إنجاز العمل؛ "كنت سأبدأ بالكتابة هذا اليوم لولا أن أصدقائي أغروني بالخروج, فخرجت معهم وضاع الوقت".

والتسويف ليس مذموما كله وليس محمودا كله، بل منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود.
فأما المذموم : فهو التأجيل أو التأخير لتنفيذ المطلوب بغير مبرر أو مقتضى، وهو الذي نبه إليه الحق - تبارك وتعالى - بقوله: {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدّق وأكن من الصالحين} ( المنافقون: 10)، {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت} (المؤمنون: 99)
كما نبه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "بادروا بالأعمال الصالحة سبعا: هل تنتظرون إلا فقرأ منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر" ، "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" .
وأما المحمود : فهو التهويل أو الوعد والوعيد، دفعا لفعل خير، أو ترك شر، أو ترقبا وانتظاراً للحظة مناسبة، وفرصة مواتية، ويدلنا على حسن هذا النوع من التسويف وروده في كلام الحق - تبارك وتعالى - في كتابه الكريم، إذ يقول سبحانه : {ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا}(النساء: 30)، {إن الذين كفروا يآياتنا سوف نُصليهم نارا} (النساء: 56)، {وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} (النساء)،
كما يدلنا على حسن هذا النوع من التسويف، وروده على لسان بعض الأنبياء كما حكى القرآن الكريم: فقد طلب أولاد يعقوب من أبيهم أن يعفو عنهم وأن يستغفر لهم ربهم، بعد أن أدركوا خطأهم الذي وقعوا فيه بشأن يوسف عليه السلام قائلين: {يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} (يوسف:97)، فرد عليهم قائلا: {سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} ( يوسف: 98).
ونصح نوح قومه، فلما أعرضوا وكذبوا، توعدهم قائـلا: {فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} (هود: 39)، ومثل ذلك صنع شعيب عليه السلام، فقال: {سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب} ( هود: 93).








أسباب التسويف:

1-  الأسرة :
الأسرة هي الخلية الأولى، والمنزل هو المصنع الأول أو هو المزرعة الأولى التي ينشأ فيها الطفل، والبيت مجتمع محدود بعلاقات عائلية تسودها الرعاية والعطف والأمن ، وهي الوَحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل حيث يحتك بها احتكاكا يوميا ، ومن هذا المنطلق فإن للإسرة دورا كبيرا وحيويا في تربية الطفل وتنشئته لهذا إذا نشأ الطفل في أسرة تبني حياتها علي التسويف في في أعمالها أو معالجة المشكلات وتصحيح الأخطاء أو التوبه والرجوع إلي الله فينشأ الطفل معتادا علي التسويف متخذه نمطا وأسلوبا لحياته.
2-  - ضعف الإرادة أو الكسل :
فالإنسان عندما يكون ضعيف الإراده أو متكاسلا تجده يتمني فعل أشياء كثيره ولكنه لا يجد من نفسه العزيمه علي الفعل فيتراخي ويؤجل ويسوف ، لهذا لابد أن يكون الانسان قوي الإرداة ذو همة عالية متجنبا الكسل لإن فوة الإرادة هي
التي تحمل صاحبها على استسهال الصعاب واقتحام الشدائد لنيل الغرض المطلوب،
قال الشاعر:

لَأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَو أُدْرِكَ المُنَى  *  فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلَّا لِصَابِرٍ
وقد كان النبي يستعيذ بالله من العجز والكسل فعن
أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " رواه البخاري ومسلم.
3-  الأصدقاء :
الصديق هو مرآة صديقة لهذا حث النبي – صلي الله عليه وسلم علي حسن اختيار الصديق   قال – صلي الله عليه وسلم :" المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ...."
رواه ابو داود  وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) رواه ابو داود والترمذي وأحمد
والإنسان عندما يختار صحبة الكسالي والمسوفين فإنه يتأثر بهم بلا شك فيصبح كسولا متراخيا مثلهم مضيعا لوقته مؤجلا لأعماله.
4-  الإستهانة بالأمر :
فالإنسان عندما تحدثه نفسه أن الأمر الذي ينوي فعله سهل هين ميسور لا يحتاج إلي وقت طويل للإنتهاء منه يدفعه هذا إلي تأجيله حتي آخر الوقت اعتمادا علي بعض الذكاء الذي يهب الله بعض الناس قدرا منه فلا يبادر إلي فعله في أول الوقت بل يسَوِّف ويؤجل، مثل أن يكون الطلب عنده امتحان في مادة الكل يقول عنها أنها سهلة فيترتيب علي هذا تأجيله للمذاكره حتي أخر الوقت .
5-  عديم تقدير العواقب :
فقد يجهل المرء الآثار المترتبة علي تأجيل عمل ما مثل تأجيل التوبه حتي الشيخوخه فيقول لنفسة " أمتع نفسي بالحياة وأنا شاب فإذا كبرت وأدركتني الشيخوة تبت " وقد لا يمهلة الموت للوصول أصلا إلي الشيخوخه فيمت وهو في عز شبابه والأمثلة علي هذا كثيرة .
6-  عدم المتابعة والمحاسبة من الآخرين:
فالإنسان عندما لا يكون هناك من يحاسبه علي أفعاله وعن أدائها في وقتها فلا رقيب ولا حسيب فقد يكون هذا دافعا إلي تأجيل العمل محدثا نفسه أنه سيد قراره .
7-  عدم وجود عائد فوري مستحب للفعل
كالعائد المادي أو التشجيع والإعجاب من الآخرين أو الاستمتاع بنوعية العمل نفسه فالإنسان يسهل عليه إنجاز أمر ما عندما يكون هناك عائد فوري مستحب إنه يمثل التشجيع والتحفيز علي سرعة إتمام هذا الأمر لهذا تجد أن المذاكرة والإنتهاء من مشروع كبير أو ممارسة الرياضة مثلا عادة ما يتم تأجليها لأن العائد يكون متأخرا وليس  فوريا .
8-  تجنب الألم :
فالإنسان بطبعه يحاول أن يتجنب أي عمل قد يسبب له أي نوع من الألم والمقصود هنا المعني العام للألم كالإجهاد الذهني ومشاعر الخوف والفشل أو الإجهاد والألم الجسدي بكل أنواعه.
9-  إبداء الاحتجاج والغضب:
فقد يلجأ الشخص إلي تأجيل عمل ما تعبيرا عن غضبه واحتجاجه علي أفعال الآخرين كرئيس العمل أو عميل ما أو حتي الزوجه أو الزوج وقد يكون عبارة عن معاندة أو تحديا للطرف الآخر.
10-                   طول الأمل ونسيان الموت
وطول الأمل هو
الاستمرار في الحرص علي الدنيا ومداومة الانكباب عليها مع كثرة الإعراض عن الآخرة، قال تعالي " ويُلهِهِمُ الأَملُ " الحجر 3 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لا يزال قلب الكبير شابًا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل " رواه البخاري  وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله علية وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمساً قبل خمس : " شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ".  رواه الحاكم 







الآثار المترتبة علي التسويف :
للتسويف آثار ضارة وعواقب غير محموده ومن هذه الآثار :
1- تراكم الأعمال :
وهذا امر بديهي فقد قررت تأجيل عمل اليوم إلي الغد فقد اجتمع عليك عملان عمل اليوم وعمل الغد وهكذا فيضيق الوقت فتضطر إلي عدم إتقان العمل أو تقع في حيرة كبيرة بأيهم تبدأ وأيهم تؤخر فتصاب بالإحباط أو تؤجل العمل مرات ومرات لإستحالة إنجازه في الوقت المحدد.
2- الشعور بالندم :
فالمسوف الذي يؤجل أعماله عادة يشعر بالندم علي هذا التأخير في إنجاز العمل وقد يأتي الندم في وقت لا ينفع فيه الندم،  لهذا حث الرسول صلي الله عليه وسلم علي اغتنام الفرص الصالحه 
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" رواه الحاكم .
3- ظلم النفس
فالمسوف عادة يكون انتاجه أقل كثيرا من قدراته من حيث الكم أو الجوده فالطبيعي أن كم وجوده العمل الذي يتم الانتهاء منه في يوم ليس ككم وجوده العمل الذي يتم الإنتهاء منه في أسبوع وفي الحياة يتم المكافأة علي قدر الإنتاج الفعلي وليس علي قدر الإنتاج المحتمل .
4- فساد الراحه وفساد العمل
فشعور الإنسان عندما يذهب إلي النوم بعد إنجاز عمل ما في وقته مختلفا تماما عن شعوره عند الذهاب إلي النوم وهو لم ينته من عمل ما وتم تأجليه للغد بالإضافة إلي أعمال الغد فيتضاعف عليه العمل ، كما أن وقت اراحه مع وجود عمل مؤجل يكون مخلوطا بتأنيب الضمير والإنشغال بهذا الأمر المؤجل فتفسد راحته وتضيع متعته .








علاج التسويف:
1-  طلب العون من الله فعن ابنِ عباسٍ، قال : كنت خلفَ رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يومًا، فقال : يا غلامُ احفظ اللهَ يحفظك، احفظ اللهَ تجده تجاهك، إذا سألت فاسألِ اللهَ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمةَ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ ؛ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ ؛ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رفعتِ الأقلامُ، وجفَّت الصحفُ ، وكان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم " رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ"
2-  معرفة الدوافع والأسباب التي تؤدي إلي التسويف ومحاولة تجنبها أو الإبتعاد عنها
3-  تنظيم الوقت ثم التخطيط الجيد والفعال والذي تحدد فيه غاياتك وأهدافك تحديداً واضحاً، فضلاً عن تحديد وسائل تنفيذ هذه الأهداف وتقسيم العمل إلى خطوات سهلة وعملية تستطيع الإنتهاء منها في الوقت المحدد.
4-  تربية النفس وتدريبها علي أن لكل عمل وقته الخاص به ويجب الإنتهاء منه في هذا الوقت المحدد فلا يصح تأجيل العمل إلي الغد .
5-  حسن اختيار الأصدقاء فعلاقة الصاحب الصالح بالسعادة واضحة، فكم من شقي كانت شقاوته بسبب جليس سيئ جالسه! وكم من غويٍّ كانت غوايته بسبب شرير صاحبه فأهلكه! فلا شك أن الجلساء يؤثر بعضهم على بعض، ويقتبس بعضهم من خصال بعض.
قال ابن الجوزي: "ما رأيت أكثر أذًى للمؤمنين من مخالطة من لا يصلح، فإن الطبع يسرق فلِمَ يتشبه بهم، ولم يسرق منهم فتَر عن عمله".
6-  جنّب نفسك اختلاق الأعذار.. فالمسوّف أكثر الناس اختلاقاً للأعذار، فلا تلجأ إلى اختلاق الأعذار، وعدم تحميل نفسك المسؤولية الحقيقية عن تقصيرك في إنجاز الأعمال، واللجوء إلى التأجيل.
7-  تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف، وخور، وليس من سمات المسلم العجز، والضعف، والخور، بل إن الإنسان إذا كان معتزا بإنسانيته فإنه يأبى عليها هذه الأوصاف.
8-  عدم الاستهانة بأي أمر من الأمور، وإن كان هذا الأمر بسيطا، و التذكير الدائب بالعواقب والآثار المترتبة على التسويف، فان هذا التذكير من شأنه أن يشحذ الهمم، والعزائم، وأن يقضي على التسويف.
9-  خصص وقت للتفكير والتأمل في نهاية كل يوم وإلقاء نظرة على قائمة أعمالك وللوقوف على مستوى أدائك في الأعمال خلال هذا اليوم.
10-                      ضع مقياس لتحديد مستوى التحسن الذي تحققه توقعاتك وحاول أن يكون أدائك أفضل كل يوم أفضل من اليوم السابق له.



شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

انت في احدث موضوع

التسميات