صلة الرحم



معنى الرحم وصلة الرحم :
قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ) .
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .


فضل صلة الأرحام :
1- صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .


2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " . رواه البخاري.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه " . رواه البزار والحاكم.


3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله " . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .


4- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.


وَصِلَةُ الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين، وإيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشرِّ عنهم؛ فتشمل زيارتهم والسؤال عنهم، وتَفَقُّدِ أحوالهم، والإهداء إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، وعيادة مرضاهم، وإجابة دعوتهم، واستضافتهم، وإعزازهم وإعلاء شأنهم، وتكون أيضًا بمشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، وغير ذلك ممَّا من شأنه أن يزيد ويُقَوِّيَ من أواصر العَلاقات بين أفراد هذا المجتمع الصغير.

فهي إذن باب خير عميم؛ فيها تتأكَّد وَحْدَة المجتمع الإسلامي وتماسكه، وتمتلئ نفوس أفراده بالشعور بالراحة والاطمئنان؛ إذ يبقى المرء دومًا بمنأى عن الوَحْدَة والعُزْلَة، ويتأكَّد أن أقاربه يُحِيطُونَه بالمودَّة والرعاية، ويمدُّونه بالعون عند الحاجة.

وقد أمر الله -سبحانه- بالإحسان إلى ذوي القربى، وهم الأرحام الذين يَجِبُ وَصْلُهم، فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْـمَسَاكِينِ وَالْـجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْـجَارِ الْـجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْـجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} [النساء: 36].

وجعل الله صِلَةَ الرحم توجب صِلَتَه سبحانه للواصل، وتتابع إحسانه وخيره وعطائه عليه، وذلك كما دَلَّ الحديث القدسي الذي رواه عبد الرحمن بن عوف قال: سمعتُ رسول الله يقول: قال الله: "أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ".

وعن جبير بن مطعم أن رسول الله قال: "لاَ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ". وقَطْعُ الرَّحِمِ هو تَرْكُ الصِّلَةِ والإحسان والْبِرِّ بالأقارب، والنصوصُ كثيرة ومتضافرة على عِظَمِ هذا الذنب، وذلك كُلُّه من شأنه أن يَخْلُقَ مجتمعًا متعاونًا متآلفًا متماسكًا، يَتَحَقَّقُ فيه قول رسول الله : "مَثَلُ الْـمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْـجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْـجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْـحُمَّى"

وقد بلغ النبي الكريم من صلة رحمه مبلغاً عظيماً ضرب به المثل على مرّ التاريخ، فما سمعت الدنيا بأوصل منه.

قرابته، أبناء عمه، أبناء عمومته، أخرجوه من مكة، طاردوه، أرادوا قتله، شتموه، آذوه، حاربوه في المعارك، نازلوه في الميدان، قاموا بثلاثة حروبٍ في بدرٍ وأحدٍ والخندق، ودخل مكة منتصراً، عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر كلمة من فمه، وقفت له الأعلام مكبرة، طنت بذكر نصره الجبال والوهاد، فلما انتصر وقف عند حلق باب الكعبة صلى الله عليه و سلم منحنياً وهو يقول للقرابة والعمومة: ماذا ترون أني فاعلٌ بكم؟ فيتصورون الجزاء المر، والقتل الحار، والموت الأحمر، فيقولون وهم يتباكون: أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، فتدمع عيناه، فيقول: اذهبوا فأنتم الطلقاء، هذا من أعلى درجات العفو، أخرجوه، طاردوه، قاتلوه، شتموه، نكلوا بأصحابه لعشرين عاماً، فلما تمكن منهم، وحياتهم موقوفة على كلمة من فمه، وعشرة آلاف سيف متوهجة تأتمر بأمره، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، النبي الكريم أسوة حسنة لنا، في الطائف حينما قهر قال:

((إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي))

وفي فتح مكة حينما انتصر قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، كأنه يقول عفا الله عنكم وسامحكم، يأتي ابن عمه - أبو سفيان بن الحارث- يسمع بالانتصار، وقد أذى الرسول الكريم، وشتمه، وقاتله، فيأخذ هذا الرجل أطفاله، ويخرج بهم من مكة، فيلقاه علي بن أبي طالب يقول له: يا أبا سفيان إلى أين تذهب؟ قال: أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعرياً، والله إن ظفر بي محمد ليقطعني إرباً إرباً، يقول له عليٌ وهو يعرف رسول الله: أخطأت يا أبا سفيان، إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصل الناس، وأبر الناس، وأكرم الناس، فعد إليه وسلم عليه بالنبوة، وقل له كما قال أخوة يوسف:

﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾[ سورة يوسف ]

فيأتي بأطفاله ويقف على رأس المصطفى صلى الله عليه و سلم ويقول: يا رسول الله: السلام عليك ورحمة الله وبركاته

﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾

فيبكي عليه الصلاة و السلام وينسى تلك الأيام، وتلك الأعمال، وتلك الصحف السوداء، ويقول:

﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾[ سورة يوسف ]

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

التسميات